هكذا تنبأ هردبشت / يوسف غيشان

هكذا تنبأ هردبشت
على الرغم من أننا أصحاب القول ( أنّ المؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرّتين ) ، إلا أننا أقلّ الشعوب استفادة من أخطائنا ، وأكثر الشعوب وقوعاً في الأخطاء ذاتها ، وكأنّ اسطوانة التاريخ بإتجاهنا صارت مشروخة ، وتكرر ذاتها بمثابرة مملّة .
في معركة أحد وقعنا في خطأ استراتيجيّ استغله خالد بن الوليد ، ومنذ ذلك الزمان ونحن نسمع ونقرأ حول الدروس المستفادة من معركة أحد ، وما زلنا حتى الآن نتلقى هذه الدروس مع أننا لم نستفد منها قط .. وقد وقعنا في الأخطاء ذاتها (ترك الموقع لإسترجاع الغنائم) .. ولعلّ أفدحها ما حصل في معركة سان بواتيه (بلاط الشهداء) بين قوات الأمويين والفرنسيين.. المعركة التي أوقفت الزحف العربي تماماً ، لأنهم أرسلوا من يصرخ بأنّ غنائمنا تتعرّض للنهب .. فتركنا مواقعنا القتالية ، وخسرنا المعركة الفاصلة ، ولا شك في أننا خسرنا الكثير من المعارك فيما بعد ، وسوف نستمر في خسارة معارك قادمة ، لأننا نقع في الأخطاء ذاتها.
هذا هو الفارق الأساس بيننا وبين الغرب ، بكامل تلويناته .. أقصد الحضارة الغربية برمتها، التي إعتادت الوقوع في الأخطاء الجسيمة ، لكنها لا تلوّن أخطاءها ولا تزوّقها ولا تبرّرها، بل تعترف بها أولاً، وتسعى لتفاديها فيما بعد .
تعترف الحضارة الغربية بأخطائها ، وتتحدث عنها ، وتتناقلها وسائل الإعلام وتتحول الى أفلام ومسلسلات وروايات وأعمال فنية ، فيتم هضمها واستيعابها ومناقشتها وفضحها تماماً، فلا يقعون فيها مرة أخرى .. لكأنّهم (يطعّمون) أنفسهم ضدها ، فيشفون .
لذلك فإن تلك المجتمعات قابلة للتطور أكثر منا ، بينما نعيش نحن في دهاليز الماضي التليد دون أن نعترف بأخطائنا، ونحوّل الماضي إلى (تابو) مقدّس نعيش في ضَلاله وظِلاله وندعو للعودة اليه ، للخلاص من أوضاعنا الحالية البائسة، فلا نحيا الماضي .. ونخسر الحاضر والمستقبل معاً ، مثل ذلك الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة ففشل ، وحاول العودة الى مشيته الأصلية، فاكتشف أنه نسيها !!.
الغرب يؤنسن نفسه ، وينأى بذاته عن أخطائه الفادحة ، بينما ننهمك نحن في تبرير أخطائنا، أو في الحديث عن مؤامرة عالمية يشترك فيها العالم بأسرة من الأسكيمو حتى بطاريق الجنوب.
قد لا نعدم – مثل غيرنا من الشعوب الضعيفة – من يتآمر علينا ويسعى لاستغلالنا، فهذا وضع طبيعي للأسف في هذا العالم ، لكن الجزء الأكبر من المسئولية نتحمله نحن جيلاً بعد جيل، لأننا لا نستفيد من أخطائنا ولا نعترف بها.
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى