مشروع فاشل / د . محمد شواقفة

مشروع فاشل

دائما و ابدا لديه رأي تقريبا في كل شئ يحدث امامه …. و احيانا يكون لديه افكارا جاهزة لاحداث لم تحدث بعد …. لا اعتقد انه جاهل او تافه بالمعنى الحرفي و لكن تقلبه بالمواقف ذات اليمين و ذات الشمال يذكرني برقود اهل الكهف …. فهم كانوا أحياء و لكنهم لم يكن لهم اي وجود سوى في القصة …. حضارات سادت و بادت و تغيرت الدنيا من حولهم و هم نياما لا يدركون ما يحدث حولهم ….
يمتلك من العلم قدرا يسيرا او لربما كثيرا لكن ذلك لا يجعله بطريقة تلقائية مختلفا عن غيره ….هو يعتقد جازما و بيقين لا تشوبه شائبة انه من النخبة …. و هو لا يدرك انهم مثله او لربما اكثر بؤسا منه …. هو و من معه مشاريع فاشلة و لكنهم لا يدركون ذلك …. يتداولون ثقافة تجعلهم يتحدثون بما يبدو كلاما جادا و قد يتمخض عنه افكارا و طروحات و لكنهم فعلا يمتلكون ثقافة مشوهة و قد لا ابالغ ان قلت تافهة و لكنها فعلا لا تغني عن الواقع المرير ….
كان ينظر للمرآة و يحاول ضبط ربطة العنق التي عليها شعار الرابطة الفتية التي انضم اليها مؤخرا ….. هو فعلا لا يعرف غير ان كل من في الرابطة من النخبة …. فلا ضير ….فرصتي للظهور اليوم …. كان يحدث نفسه و هو يرش بضع بخات من العطر الفاخر الذي يخبئه في غرفته لاجل مناسبات نادرة الحدوث كهذه…. لم يعجبه ان يرى صفحة وجهه تنعكس من حذائه اللامع الذي يرتديه لاول مرة …. و اشاح بوجهه يبحث عن ابتسامة يرسمها على محياه القلق …. لن يتحدث بالسياسة …فهي نقطة ضعفه …. و بالطبع سيتجنب الحديث في الاقتصاد الذي لا يفهمه …. و لكن كيف سيمضي الوقت مع كل هؤلاء المثقفين …. لا بد من فكرة ما او موضوع ما ….
كانت خواطره تتلاطم ….فهو فعلا لا يمتلك سوى افكارا مهشمه و انصاف حكايات …. هو يعلم ان مقدرته على ادارة اي حوار لا تتجاوز الاربع جمل …. هو يعرف انه مشروع فاشل …. لكنه لا يريد ان يعترف بذلك …. ليس مضطرا ….
توقف امام بسطة الكتب و راح يميد بنظره من اقصى اليمين الى اقصى الشمال …. لم يكن البائع يلقي له بالا …. فهو يعرف زبائنه جيدا و هذا الرجل المتأنق ذو العطر الآسر لا يمكن ان يكون منهم ….. لكنه انتبه بعد لحظات انه تسمر مكانه و لا يريد ان يغادر ….. فاستل كتابا من وسط الزحام و نفضه من
الغبار …. و ناوله اياه …. كان العنوان صارخا و قويا و صادما ….. مشروع انسان فاشل !!!!
لم ينبس ببنت شفه و هو ينظر للجمع من حوله يتحدث عن الرياضة تارة و عن النساء تارة اخرى و اين سيقضي فترة العيد ….. وجد ان ذلك مخرجا ذكيا لعدم الخوض في اي حوار ….. لا يزال يتذكر اجابة استاذ التاريخ عندما سأله لماذا لا يجتمع العرب معا و يحاربوا اسرائيل ؟! ….” لان المجتمع تضافر على ان يقتل من هم مثلك في الحياة “…. لم يكن لديه اي فكرة ماذا قصد ذلك الاستاذ لحظتها و ليس متأكدا انه يفهمها لغاية الآن …. لكنه لا يزال يذكر كلماته حرفيا ….و لم يفهم لماذا تحيز كل من في المدرسة لمنافسه في انتخابات البرلمان المدرسي …. الا عندما عرف ان والد منافسه تبرع للمدرسة لانشاء دورة صحية …. كانت اولى صدماته بالحلم الجميل بالديمقراطيه ….لكنه ادرك لحظتها ان مجتمعه يريده مشروعا لانسان فاشل …. و هو يحث الخطى ليكون كذلك …..
ادرك بحسه الفطري و بعقله الذي لم يكن يرغب باستخدامه كثيرا ان التمرد على المسلمات و كسر الشائع لربما يكون طريقا لجعله انسانا لامعا قد يلفت الانتباه …. فبات شخصا غريب الاطوار في تصرفاته و حركاته و سكناته … مع قدر يسير من لفت الانتباه بما يكفي ليراه البعض …. لكنه ادرك انه لن يكون محور الكون و لا يمكن ان تتوقف الارض عن الدوران عندما يمضي …. تعلم الشتم و الجدال و لو لاتفه الاسباب و كان يقاتل و يجادل بقوة و حزم و لو كان خصمه بعوضة دونما رحمة او هوادة….
اقتنع اكثر من مرة بانه لا يصلح ان يكون طبيبا لانه كان جبانا رعديدا و يخاف من منظر الدم …. و لا تزال ترن في اذنه كلمات استاذ الرياضيات الذي اقنعه لفترة طويلة بانه ” حمار رياضيات”…. مع انه اكتشف فيما بعد انه ليس اسوأ من غيره بل و افضل من الكثيرين …. لربما كان سيصبح مهندسا مرموقا …. لكنه لا يأبه فهو الآن شخصية مرموقة …كمشروع لانسان فاشل ….
توقف امام المطعم …. و انتظر لموظف “الفاليه” ليفتح له باب السيارة ….. و نزل راجلا باتجاه المدخل …. التقته موظفة الاستقبال بابتسامة مصطنعة و هي تنظر للحجوزات و تبحث عن اسمه ….. ليس له اي اسم و لا حجز …. ارتبك كثيرا و قليلا و راح يبحث عن منديل يجفف به عرقه الذي بدأ بالهطول …. لا بد ان هناك خطأ ما ….. تراجع ليفسح المجال لغيره من الزوار الذين لا يبزونه اناقة و استعدادا و لكن اسماءهم في القائمة و اسمه غير موجود …..
ذهب باتجاه البوابة التي ضاقت امامه ….. بحث عن موظف ” الفاليه”…. لم يجده …. سأل احد الواقفين الهائمين ….اين موظف ” الفاليه “فاجابه …. انت ايضا ضحكوا عليك …. لا يوجد هذه الخدمة ….. انتظر معي فالشرطي وعدني انه قادم لتحرير محضر بسرقة السيارة ….

“دبوس على مشروع فاشل ”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى