ترامب يبيع «بضاعة مضللة» للأردنيين

سواليف

كتب .. بسام البدارين

يترك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عامة الأردنيين ونخبهم للمرة الثانية في مستوى الحيرة والتردد والتساؤل. فقد وصف ترامب مجدداً العاهل الملك عبد الله الثاني بأنه رجل مقاتل، وأعرب علنًا في اللقاء الأخير على هامش اجتماعات نيويورك عن تقديره لدور الأردن في إنقاذ وحماية اللاجئين السوريين.
دون ذلك يترك ترامب وإدارته الشعب الأردني المقاتل وحيداً في ساحة التحدي والمعركة، الأمر الذي يضعف مصداقية الإدارة الأمريكية في أوساط عموم الأردنيين ويقلص من هوامش المناورة عند الرهان على مواقف لفظية عامة مضللة أمريكيا لأنها لا تعكس الواقع الموضوعي على الأرض. فلا يحتاج الأردن شهادة من ترامب أو غيره، عندما يتعلق الأمر بصلابته وصبره وصموده، أو حتى عندما يتعلق بدوره الإنساني في مأساة السوريين التي لازالت مفتوحة على الاحتمالات كلها.
لكن شهادة ترامب المتكررة لا تأخذها صالونات وأوساط عمّان بجدية لأن الرئيس ترامب سبق أن استعمل التعليقات نفسها قبل عدة أشهر وبالفارق الزمني، الأوصاف التي يطلقها ترامب في المرتين الأولى والثانية رصدت عمليا أكبر حالة تخلٍ أمريكي عن الأردن. فثمة أدلة وقرائن مهمة وعديدة في هذا السياق.
ترامب مثلاً يتحدث عن حل إقليمي لقضية الشرق الأوسط وعمّان ويسقط خيار الدولتين من بين يديها لأن الحل الإقليمي معناه بسيط وواضح حسب المفكر والخبير السياسي عدنان أبو عودة فهو معالجة لأزمة سكان لا لاحتلال مكان. وعلى صعيد الملف السوري تخلت إدارة ترامب أيضاً عن الأردن فتركته وحيداً في الأربعة أشهر الماضية، ودفعت به دفعا إلى حضن موسكو وطالبته بالجلوس إلى جانب جنرالات روس في غرفة الموك وسحبت العديد من قواتها، وبدا أنها تترك الإقليم وأصدقاءها وحلفاءها للقدر الروسي الجديد ولحسابات المحاور والاستقطاب الحاد.
إدارة ترامب أيضاً فعلت ما هو أشنع ضد الأردنيين، فهي ترفض زيادة المساعدات المالية والعسكرية للشعب المقاتل والقيادة التي تصفها بأنها شجاعة ومقاتلة، ولولاها لما تمكن مليوني لاجئ سوري من العيش بكرامة.
في عهد إدارة ترامب دون غيره وأكثر من غيره، ولد وبرز النكران الاقتصادي والمالي السعودي والخليجي للأردن، الأمر الذي لم يكن يحصل في الماضي، وهو ما يقال سراً وعلانية اليوم في أقنية القرار والسياسة الأردنية كلها.
وفي عهد ترامب أيضاً أعلن حزب الليكود الإسرائيلي حربا شنيعة على الأردن، شعبا وحكومة، وانقلب عليهم وفي عهد ترامب وكوشنير فقط، استضافت تل أبيب مؤتمرات ليكودية يمينية متطرفة تقترح إقامة دولة فلسطين شرق نهر الأردن.
سجل ترامب الذي يكثر من الأوصاف لأغراض الاستهلاك الإعلامي فقط في امتداح الأردن حافل بالمفاجآت التي تركت المقاتل الأردني وحيداً في المضمار والميدان، عملياً، ففي الوقت الذي تنسحب فيه قوات أمريكية من قَطَر والأردن يمنح ترامب الإسرائيليين أول قاعدة عسكرية ثابتة ودائمة في جنوب ما يسمى بإسرائيل لحمايتها وتأمينها وهي القاعدة العسكرية الأولى في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. السجل نفسه لا يقف عند هذه الحدود، فترامب لا يتدخل عند الكونجرس أو السعودية لتأمين احتياجات الأردن المالية كما كان يحصل في الماضي. وإدارة ترامب لا تتدخل في مساعدة الأردن حتى مع صندوق النقد الدولي كما كان يحصل في عهد بوش وكلينتون وأوباما.
وليس سراً أن الأردن بات اليوم يواجه مباشرة تحدي الطموح الآيراني تذكيراً بما قال لـ»القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري وأعاده مجدداً مؤخراً حول المعادلات والصياغات الجديدة التي تفرضها بصمات الاتفاق النووي الأمريكي الآيراني على دول المنطقة.
بمعنى آخر يمكن القول؛ وببساطة بأن المجاملات الرئاسية الأمريكية للأردنيين ليست أكثر من احتفال في باب التضليل السياسي فهي غير مفيدة وغير منتجة ولا تعكس كما يقول البرلماني محمد حجوج الواقع الموضوعي لا بل يرى بعض الساسة الخبراء بأن هدفها الأعمق قد يكون إضعاف الأردن وتخديره لفرض سياسات واستحقاقات عليه مستقبلاً.
إذن بضاعة ترامب التي تباع فقط وسط الإعلام للأردنيين لا تحدث فارقاً في أي مجال حيوي له علاقة بمصالح الأردن الأساسية والمحورية. طبعاً عمّان لا تستطيع ولعدة أسباب رد البضاعة هذه إلى صاحبها وقد يصدق مع الموقف القول بأن التخابث السياسي في التعاطي مع مثل هذه البضاعة شكل من أشكال المكسب الدبلوماسي العميق لأن عدم انتقال إدارة ترامب إلى مستوى الخصومة والتعارض والتآمر قد يكون محطة محورية في المكاسب. اللافت جداً أن ترامب يعيد تسويق البضاعة نفسها لفظياً في الوقت الذي أصبح فيه ملف جنوب سوريا المؤثر جداً في مصالح الأردن بإمرة اللاعب الروسي فقط.
وفي الوقت الذي يراوح فيه الأردنيون بالمكان من دون مشروع سياسي إقليمي يعيد انتاج دور أردني من أي نوع إلى الواجهة والصدارة على الأقل حتى الآن. وجد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ضالته بعدما نجح بدعم من طهران باستخدام حركة حماس وقطاع غزة ورقة للتفاوض الإقليمي تعيد مصر بخاطرها إلى الحراك في مستوى عملية السلام وما يسمى بالمصالحة والانقسام بين الفلسطينيين.
حركة حماس بدورها وجدت ورقتها الإقليمية للعب والمناورة بالتقاطع مع السيسي ومخابراته.. كردستان وعبر قصة الاستفتاء وجدت لها مقعداً وإسرائيل تناور إقليمياً بورقة الأمن بعد تداعيات المشهد السوري الأخير.
المقلق جداً هو وضع الأردن مرحلياً، فبرغم الخبرة العميقة والإحساس الوطني الذاتي المرتفع وبضاعة التضليل الإعلامي في واشنطن لا يوجد ما يثبت على الأرض أن عمّان وجدت ضالتها بورقة إقليمية تخصها وتجلسها حول الطاولة.
وهذه الصيغة تثبت أن البلد الذي يصفه ترامب بأنه شجاع ومقاتل يترك في الواقع وحيداً كي يقاتل ظرفه الصعب على الجبهات جميعها وبإمكانات متواضعة وهوامش مناورة ضيقة جداً تنتج عن عدم وجود طاقم خبير وعميق ومفكر يقود المطبخ الاستراتيجي الأردني.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى