يا صويحبي يكفي عتب يكفي / منصور ضيف الله

يا صويحبي يكفي عتب يكفي
إلى الشاعرة الأردنية جنوب بنت طريف ..

( بقنعتها السوداء , وعرنينها الأشم , وعطزها البدوي . وأحزن لها , وأشجن , إذ حرمت الكتابة , وظلت تحفر أخاديد حروفها الجميلة على رمال وادي عربة , وصدى همهمات أماعزها , ونفح قهوتها , في انتظار حرية خبأتها جنوب الصوائف , ودبور الشواتي ).

يمتد الطريق طويلا , وعلى جانبيه تنفرش حصى صغيرة سوداء , تبتلع ما تشاء من أشعة الشمس , وتعكس ما تبقى خيوطا ذهبية تدخل بلا استئذان . يمسح رفيقي جبهته بطرف هدب شماغه , ” رفن رفوف الحجل رفن ورا رفي .. خيل ألأصايل لفت صفٍ ورا صف .. أقول يا صويحبي يكفي عتب يكفي .. يا مهدبات الهدب غنن على وصفي .. يا مهدبات الهدب غنن على وصفي .. ” , يستعيد بعض روحه , بعض شقاوة الصحراء وحزنها , وصمتها , ويدندن بصوت شجي ” ان صار الطخ طرخ طرخ ….. الذيب ما يصل الشلية ” .
_ كم بقي من الوقت ? ويضحك .
_ ما تبقى من العمر !!
ويرفع عقيزته “قوموا العبوا يا شباب , والموت ما عنه , والعمر شبه القمر , ما ينشبع منه ” .
تتهادى المرسيدس قريبا من الخيمة , ينسل طيف ثالثنا , يعدل وضع نظارته الطبية . تتعلق عيناه بنا , ويطلق ابتسامة عريضة . أمس على مشارف عمان , كان يضع قدميه في قلب الحداثة , وما بعدها , ويصرخ : أما آن للمجتمع البدوي أن يغوص في مقلاتها , جميل أن تتزاوج الصحراء مع الحداثة فتنتج طبقة حاكمة تعيد للإنسان بعض اعتباره , وللوطن كرامته . ويهدج صوته : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ??
تخلع الشمس ثوبها , فارعة بدوية. مطوي كشحها , ملتف فخداها , ناهد صدرها. تنحدر مشتاقة إلى ليلة دافئة …..تطول الليلة , وتشتعل نار الغضا .
من وراء الأفق البعيد , المكتظ بالعتمة والترقب والمجهول يرتفع العواء , يتوحد الجميع مع قداسة الصحراء , ونبلها , وينفلت شعور غامر بالحنين والظمأ . ينفجر شعور غرائزي , يصارع الوحدة . تستيقظ قداسة الحياة والغضا , وينطلق النداء راسخا :

ياذيب وش عواك جوف الذيابه :: قصدك ظما ولا سبب جوع ياذيب
ياذيب ياللي جر صوت عوا به :: اقرب لنا وتلقى جميع المطاليب
ياذيب لا تقهرك عنا المهابه :: يامجــفل الغزلان حنا المــعازيب

تدور ” فناجين ” القهوة , معتقة ساخنة , عربية اصيلة ترقص الروح نشوانة بالنصر , وتحفل بمقدم الغائبين , وحدها جنوب يتردد صدى صوتها :

” يا طير امانة روح دقدق على كل باب
سلم عليهم بالصبح وغياااااااب
ان شافك وليف الروح قلو انا المجروح
قلو وليف الروح بالروووووح منصاااااااااااب ” .

وحدها جنوب يملؤها الغياب والفقد ….. ويضيع الصدى…..