ويمضي قطار العمر / أحمد المثاني

في زحمة الأيام ، و الانشغال بالمفيد و غير المفيد في حياتنا .. كثيراً ما ننسى أعمارنا ، و أنّ هذه السنوات التي تمضي ، إنّما تقتات من أعمارنا ، و قوتنا .. و تدنينا من خط النهاية دون أن نشعر ! بالأمس ، كنّا شباباً ، يفيض حيوية و لربما غروراً ، كذلك . كنّا نزهو بقوة عضلاتنا و جمال شعورنا و سوادها ، و نتأنّق باللباس الجميل و نلاحق الموضات .. و كنّا ننظر إلى كبار السنّ بعين التعالي أو التندّر أو حتى السخريّة من بعض تصرفاتهم و أحاديثهم المعادة .. ها هي الأيام مضت ، و أسكنتنا خانة الستينات من العمر ، و مازلنا ننظر الى الدنيا من داخل أنفسنا ، فنظنّ أننا مازلنا شباباً .. بالأمس نظرت في المرآة ، فرأيت وجها بدأت تتراخى خطوطه ، و ظهرت عليه آثار الآيام و السنين .. و رأيت فيما رأيت شعراً تلونت بقاياه بالأبيض ، بعد أن غزاه المشيب .. و رأيت عيوناً متعبة ، من خلف زجاج النّظارة السميك .. لقد كبرنا ، بعد أن نسينا و كابرنا .. نعم ، كنت أتجاهل نصيحة المذيع حينما يقول ننصح كبار السنّ… فأزعم أنني لست المخاطب ، و لعلي مازلت أشعر بغضب مكبوت حينما يخاطبني بائع الخضار بعبارة تفضل يا حاج .. و لطالما كنت أنا أتندر على تصرفات كبار السنّ ، و أروي طرائفهم .. إذ يتمسكون بكل قديم و يخزنونه ، بحجة يلزم .. و أنهم من حرصهم يجمعون المسامير من الطرقات في جيوبهم و أنهم يحدّثونك بالقصة مرات و مرات .. بعد أن ضعفت ذاكرتهم ، و تضيق أحيانا بهم ، لرغبتهم بسرد جميل ماضيهم و أيامهم التي عاشوها .. كل ذلك ، ليملأوا فراغ الأيام ، و ليقطعوا أياما مملة.. تحاصرهم فيها الوحدة .. بعد أن كبر الأولاد .. و مضوا و كنت أعجب من حرصهم – كبار السنّ ، على جمع مختلف أصناف العلاج فوق أسرتهم أو تحت فراشهم .. و ها أنا اليوم أضع على جوار السرير كيساً ، فيه عدة أصناف من الأدوية و العلاجات .. فهذه حبوب مساعدة للسكر ، و هذه حبوب واقية من هجمات النقرس ، و تلك حبوب ضدّ الدهون الثلاثية .. و ها أنا أصبحت أروي حكاياتي لكل من أمسك به .. في جلسة أو طريق ، وها أنا أشعر بنظرة الشباب الي بنفس نظرتي التي كنت أنظرها الى كبار السنّ .. يعلمون أنني أضيق برؤية ملابسهم الممزقة على ركبهم .. موضة العصر .. تماما ، مثلما كان يضيق بنا الآباء و المعلمون ، حينما كنّا نطيل شعورنا و نلبس البناطيل العريضة .. الشارلستون .. في السبعينيات من القرن الماضي . اليوم أدرك أنّ لكل جيل نمط تفكير .. و أسلوبا في اللباس أو العيش .. و أنّ من الحكمة أن يستوعب كل جيل ما يراه في جيل غيره أو جيل الشباب بالذات .. و إن كان من نصح فبالحسنى .. حتى لا نحكم على الحياة بشكل أو صرعة .. فالأيام كفيلة بالتغيير .. و إننا إذ نضيق اليوم ببعض حياة الشباب ، فلنتذكر ، كيف كان الكبار يضيقون بنا… !! يمضي قطار العمر ، و تجد أنه لم يتبقَّ لك من الأصدقاء و الأصحاب إلا القليل في بقية رحلة العمر .. فمعظمهم مضوا .. كلّ في طريق و ها أنت اليوم ، تنظر إلى أيامك الماضية بعين التمني و الاشتياق و تنظر الى أيامك الباقية بعين الرجاء .. و حُسن الختام ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى