أكاديـمـيـة الـدغــري وأبو كَـلَبْـشَــة…!!! / د . ناصر نايف البزور

أكاديـمـيـة الـدغــري وأبو كَـلَبْـشَــة…!!!
نَشَرَت صحيفة السبيل وموقع سواليف يوم الأربعاء الماضي الموافق 23-3-2016 مقالة للمُربِّية الفاضلة الدكتورة ريمة طهبوب بعنوان “أكاديمية أبو عنتر”؛ انتقدتْ فيها ما تسبَّب به الإعلام من أضرار تربوية وسلوكية اجتماعية نتيجة ترويج وترسيخ شخصية “الأباضاي” أبو عنتر في العقل الجمعي للناشئة والشباب العرب وما ترَتَّب على ذلك من انتشار التأثُّر والتأثير بتلك الشخصية ودورها في هيمنة الشخصيات البلطجية في مُجتمعاتنا العربية!

بل وذهبت المربية الفاضلة إلى ربط الحل لمثل هذه المخرجات وتجلِّياتها بنظرية الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في العقد الاجتماعي الذي يُحَتِّم على التزام “المواطن بالقوانين و (الاستمتاع) بالحرية ومميزات العيش في المجتمع المدني أما إذا خرق القوانين فعلى المجتمع أن يجبره على أن يكون حرا forced to be free بتعليمه معنى الحرية وضريبة فقدانها ومحدداتها” على حَدِّ قولها!

المُشكلة في مثل هذا الطرح، مع بالغ احترامي وتقديري للمربية القديرة الدكتورة ريمة طهبوب، يَكمُن في إهمال أسباب المرض بل و مكنونات المرض نفسه و محاولة التركيز على الأعراض المصاحبة للداء العُضال الذي طالما فَتَكُ بمجتمعاتنا العربية على مدار عشرات من العقود المُتراكمة! فلا يُمكِنُنا إلقاء اللائمة على “أكاديمية أبو عنتر” لسببين هامّين لا ثالث لهُما!

أوَّلهما يتجلَّى بهذه الأعراض ذاتها؛ فشخصية الأباضاي أبو عنتر شخصية إنسانية جميلة تطغى حسناتها الجَمَّة على بعض مساوئها القليلة! فأبو عنتر شخصٌ قوي الجسد، طَيِّب القلب، بسيط السجيِّة، حنونٌ وإن بدا قاسياً، عطوفٌ وإن بدا صلبا فَظَّاً؛ يقوم على مساعدة الضعيف والمظلوم والفقير! فهو شخص متفانٍ يعيشُ لغيره لا لذاته؛ وهو أقرب إلى تجسيد معاني “حلف الفضول” الجاهلي في بيت عبد الله بن جدعان والذي شهِدَهُ الحبيب المصطفي عليه السلام قبل البعثة النبوية وامتدحه بعد بعثته بقوله: “والله لو دُعيتُ إلى مثله في الإسلام لأَجَبت”!

ولطالما شهِدَ التاريخ على مَرِّ العصور شخصيات رائعة كشخصيَّة أبي عنتر؛ ظاهرها الشر والسوء وباطنها وحقيقتها الخير والنقاء! وهذا ما قد نراه في شخصيات ادب الصعاليك كعُروة بن الورد والشنفرة و روبن هوود الذين خَرجوا على ما يُسَمّى بالقانون لمَّا انتشر الجَورُ والفقرُ حقَباً من الدهر!

أمَّ ثانيهما فَيُمكِنُ ايجازُهُ في وصف ذات الداء وأسبابه التي لا تخفى على ذي لـُبٍ ولا على كثير مِنْ أنصاف المُتعلِّمين! فَبَيتُ الداء ومنشأ الطاعون هو أحوال القهر والقمع والتجويع وتضييع حُقوق الشعوب التي سادَت أيّام الشنفرة و روبن هوود، وهي نفسها التى هيمَنت على محيا وممات الكثير من الشعوب العربية تحت قمع الأنظمة الشمولية العربية بقناعها العسكري المُمانع المُقاوم كنظام جمال عبد الناصر، والقذافي والأسد؛ او بقناعها السياسي اللبرالي المتطرِّف كنظام الحبيب بو رقيبة؛ وكُلٌ منهما نظامٌ جائر، و باغٍ، و قاتل، و سارق، و مُخادِع و زائف!

وهذه الانظمة هي مُخرجات جامعة مُجرمة واحدة؛ فهي نتاج أحَد الكُلَّيتين او كليهما؛ إمَّا “أكاديمة أبو كلبشة” العسكرية القمعية الساذجة و إمَّا نتاج “أكاديمة الدغري” الإنتهازية الفاسدة! فكَم خَرَّجَت “أكاديمية الدغري” و “أكاديمة أبو كلبشة” في بلادنا العربية من قادة وطُغاة جلبوا على شُعوبِهِم الويلات والنكبات والنكسات، و نهبوا الثروات وباعوا العباد والبلاد و مَزَّقوا “العقد الاجتماعي” بل والعقد الأخلاقي و العقد الإنساني؛ وهذه هي العقود التي ناقشها الكواكبي وأمثاله وهي تفوق ما قدَّمَهُ جان جاك روسو!

فأينَ ما جناهُ أبو عنتر وأمثاله من البُسطاء على شُعوبِهِم ممّا اقترفته يدا بَشّار والقذّافي و الشاويش علي عبدالله صالح! !!! واللهُ أعلَمُ وأحكَم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى