وقعت الحرب في… / سهير جرادات

وقعت الحرب في…

لم تعد ممارسة لعبة ” وقعت الحرب ” مقتصرة على صغار السن والأطفال ، بل تحولت إلى لعبة للكبار ، تمارسها الدول القوية ضد الضعيفة والمفككة داخليا ، إلا أنها تحمل سمة مختلفة عن الحروب الاعتيادية ، من حيث المتحاربين بحيث يجري القتال في الدول الضعيفة على يد شعوبها ، بعد العمل على تقسيمها وتشتيتها بالانفصال واثارة النزاعات الداخلية، وما على الدول القوية سوى تزويد الدول الضعيفة بالسلاح والعتاد والأجهزة وغيرها من ادوات التصعيد واستمرار الفتن بين افرادها، والمضحك المبكي أن أموال هذه الحروب تدفعها هذه الدول المتشرذمة المنقسمة على نفسها مقابل تقديم الحماية لها ، بالرغم من أن نوع الحماية غير معروف وغير محدد ، ومن أي شيء ؟!
منذ الصغر ، بعض الألعاب التي نلعبها تزرع فينا الفرقة والبعد عن العروبة والقومية العربية ، وتنمي فينا الاستقواء على الآخر وتنمية الروح العدائية ، كما في ألعاب الطفولة المتمثلة في ” عسكر وحرامية ، و” الزقيطة ” و” وقعت الحرب ” ، ولعبة ” الكراسي ” ، وجميعها تعزز تقديم حب النفس على غيرنا ، وسلب حقوق الآخرين ، واقتناص الفرص والأهم هو كيفية الهروب من العسكر ، والافلات من العقاب والاستقواء والتحايل على الأنظمة والقوانين.
واليوم، جاء الوقت الذي نبدأ فيه تطبيق ما تعلمناه في الصغر، الذي يعد كالنقش في الحجر ، وما علينا إلا أن ننتظر الإملاءات الخارجية حول ماهية الدولة التي ستقع الحرب فيها ، لنباشر فورا معاونة الأخ على قتل أخيه ، من خلال تدريب أحدهم ضد الآخر ، وتقديم الحماية الحدودية لواحد منهم ، وإمدادهم بالمعونات الخارجية وحجبها عن الطرف الآخر ، وبالتأكيد تحديد الأطراف، يتم من قبل الذين يرسمون المخططات الحربية ، التي تحدد الجهة الظالمة والجهة المظلومة ، وما علينا سوى تسهيل مهمتهم للوصول إلى الغايات التي يرجونها ،وتوفير الوسائل التي وضعت لهذه الغايات.
ولو استذكرنا لعبة ” وقعت الحرب ” مع ما يدور في منطقتنا العربية ، فاننا نجدهما متشابهين، حيث يبدأ التخطيط للعبة سواء الوهمية أو الحقيقية التي تدور على أرض الواقع بتحديد من يقع عليه الدور ليشعل الحرب بينه وبين من يجاوره من البلدان ، أو بين أتباع النظام وضده ، أو أتباع مذهب وآخر ، وعلى الآخرين الهروب فور الإعلان من قبل المخطط للعبة عن اسم البلد التي تم اختيارها، لتقع الحرب فيها ، وفي الغالب ما تكون عربية – للأسف – بعد أن ترسم خطوط وهمية على الأرض تمثل الحدود ، وما على المشترك باللعبة سوى أن يخمن مقدار الخطوات التي تبعده عن خصمه ليشعل الحرب معه، وما على الدول الآخرى سوى الهروب ، حتى تفسح المجال أمام انقضاض الدولة القوية على الدولة الضعيفة.
وبذلك، نكون قد تعلمنا منذ نعومة أظفارنا ، معنى الحرب ، وأخلاقياتها – إذا وجدت – وكيف تدار، والتخطيط لها مع الأعوان ، ودول الجوار.
ولكن، كيف لنا أن ندير حروبا ناجحة ، ونحن أجيال تجرعت الهزيمة تلو الهزيمة ، والنكسة تلو الأخرى ، وما تلتها من نزاعات داخلية في العراق ولبنان وتونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.وفي النتيجة ، كل ما تعلمناه ، مفاده… كيف نتخاصم ونتناحر ؟ خاصة نحن الدول العربية ، الذين عرفنا بإغاثة أخ على أخيه، غير مدركين – لبساطتنا وسذاجتنا – أن نيران حرب الجوار لا بد أن تطالنا ، وأن الدور المقبل لا محال – لا قدر الله- سيكون من نصيب دولة تقرر أن يكون دورها التالي في لعبة ” وقعت الحرب في….”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى