وثائق الأرشيف البريطاني تكشف خفايا زيارة الأسد لبريطانيا عام 65

سواليف

قام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عندما كان برتبة لواء وقائدا للقوات الجوية السورية، بزيارة إلى المملكة المتحدة بهدف إجراء فحوصات طبية في ربيع عام 1965. إلا أن ما بني على تلك الزيارة من مغالطات وأكاذيب تجاوز الناحية الطبية بكثير.
حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد سوريا من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1970 حتى حزيران/ يونيو عام 2000، وخلفه في الحكم نجله، الرئيس الحالي بشار الأسد.
وفي آذار/ مارس 2011 شهدت البلاد حراكا شعبيا، بدا سلميا في أيامه الأولى، إلا أنه ما لبث أن تحول إلى حراك مسلح، مدعوم من قوى عربية وغربية بهدف إسقاط السلطة الشرعية في البلاد.
ترافق ذلك الحراك مع حملة سياسية وإعلامية مدروسة، قادتها حكومات ومنظمات ووسائل إعلام عربية وغربية، لاستهداف الرموز الوطنية السورية، وتشويه صورتها والإساءة إلى تاريخها، وتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البلاد، عدا عن الاتهامات والروايات المستندة في الكثير منها إلى شهادات ليس من سبيل للتأكد من حيادها ومصداقيتها.
ولم يسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد من هذه الحملة، فهو مؤسس الدولة الحديثة في سوريا، وباني جيشها القوي، الذي يعد آخر عقبه أمام الحلم الإسرائيلي — الإخواني في المنطقة. لقد كان من المهم لقادة هذه الحملة تشويه تلك الصورة والإساءة لرمزيتها.
فالرجل أتُهِمَ بمهادنة العدو الإسرائيلي واحتلاله لمرتفعات الجولان، كما أتهم بالتعاون مع أمريكا في ملفات لبنان والعراق وغيرهما، حتى وصلت تلك الاتهامات إلى درجة اتهامه بالعمالة لبريطانيا والقول إنها جاءت به على رأس السلطة في البلاد.
تأتي الوثائق التي نشرتها “سبوتنيك”، لتكشف الكثير مما حاولت تلك الحملة وصم الرئيس الراحل حافظ الأسد به.
تبدأ الوثيقة المؤرخة في الثالث من حزيران/ يونيو 1965، والصادرة عن السفارة البريطانية في دمشق، بشكر قدمه السيد ت. إي. إيفانز للسيد أ. سي. جوديسون (السكرتير الأول في السفارة البريطانية في دمشق) على رسالته ذات التسلسلEY 1224، والمؤرخة في التاسع عشر من أيار/ مايو، بما يخص زيارة اللواء حافظ الأسد، وامتنان السيد إيفانز للسيد جوديسون على ما قام به لأجل الأسد خلال وقت الزيارة القصير.
ويكمل إيفانز بالقول: “أنا آسف، لكنني لست متفاجئا تماما بأن الزيارة لم تكن مجدية كما توقعناه منها، وكما قلت، ربما الأسد ليس الهدف المثالي لنا”.
على كل حال ليس لدي أدنى شك بالترحيب الذي تلقّاه الأسد، وبالأخص الوقت الذي منحه إياه السيد تومسون، (وزير المستعمرات البريطاني)، والذي لا يمكن أن يكون قد جرى إلا بشكل جيد. وكما رأيتم من تقاريرنا، أجرى أعضاء البرلمان الأربعة الذين جاؤوا إلى هنا محادثات من الممكن أن يجري تطويرها لاحقاً”.
“وفي الصفحة الثانية من الوثيقة، وتحت حاشية وزارة الخارجية، والمؤرخة في التاسع عشر من أيار/مايو 1965، يتحدث إيفانز لجوديسون عن استقبال اللواء (حافظ) الأسد، ويقول “بذلنا قصارى جهدنا للرد على طلبكم الوارد في البرقية رقم 218 بتاريخ 28 نيسان/ أبريل، لبذل جهدنا بالترحيب بقائد القوات الجوية السورية، اللواء حافظ الأسد، لقد التقى به تيري كلارك في المطار، ورتبت له وزارة الدفاع برنامجا كان من ضمنه دعوة رئيس الأركان الجوية البريطاني.
لقد منحه السيد تومسون ثلاثة أرباع الساعة من النقاش المحتدم في فترة بعد الظهر، يمكنك أن تتخيل كم كان من الصعب أن تتلاءم الترتيبات مع الجدول الزمني الضيق، لزيارة مصممة أساسا للفحوصات الطبية. على كل حال، أعتقد أنه كان قادرا على القيام بكل ما يريده”.
الوثيقة هنا لا تشير من قريب أو بعيد إلى مدة الزيارة، لكنها تؤكد ضيق وقت الأسد خلالها، مما يفند الإدعاءات السابقة التي تحدثت عن بقائه هناك ثلاثة أشهر، وعقده لاجتماعات ولقاءات مع عدة أطراف.
نتابع قراءة الوثيقة: “كانت دعوة السيد تومسون من وجهة نظرنا، الميزة الرئيسية للزيارة. وقد كان برفقة اللواء الأسد القائم بالأعمال السوري الذي قام بدور المترجم.
خلال المقابلة أمضى السيد تومسون وقتا ليس بالقليل ليؤكد أنه كان يتحدث كرفيق اشتراكي، وليؤكد اهتمام حزب العمال البريطاني بحزب البعث، والصلات الأيديولوجية التي تربط بينهما.
كما تحدث عن أهمية الاتصالات المباشرة في تعزيز التفاهم المتبادل، وأشار إلى الزيارة التي قامت بها السيدة ماكاي مؤخرا، وإلى الزيارة القادمة التي سيقوم بها أعضاء البرلمان إلى سوريا.
وأعرب اللواء الأسد عن سعادته بالزيارة المقبلة لأعضاء البرلمان، لكنه أوضح عدم استعداده لنقاش الأيديولوجية الاشتراكية. كان مهتما بالسياسة وبالدرجة الأولى فلسطين، حيث خاطبنا بالكلمات المعتادة “.
الكلام هذا يعني أن الرئيس الأسد لم يناقش مع البريطانيين حينها الأمور السياسية الخاصة بالحكم في سوريا، ولا الأمور الحزبية، لكن اهتمامه كان منصبا نحو فلسطين، فهو كان يرى دائما أن العائق في تطوير أي علاقة مع المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة كان الخلاف حول القضية الفلسطينية، ودعم هذه الدول المباشر لإسرائيل.
وتتابع الوثيقة بالقول: ” قال السيد تومسون أننا نعتبر إسرائيل الآن حقيقة من حقائق التاريخ، ولسنا مستعدين لأن نكون طرفا في النزاع العربي الإسرائيلي.
وفي حديثه كاشتراكي، كان مهتما بالتجارب الاجتماعية التي أجراها حزب ماباي (حزب العمل الإسرائيلي) كما هو الحال في تطلعات البعث.
واستغرق تومسون في نقطة ذكرها اللواء الأسد الذي قال أن اللاجئين الفلسطينيين يجب ألا يعانوا بسبب ما فعله هتلر بيهود أوروبا. قائلا (تومسون) إنه على الرغم من أن البريطانيين حكومة وشعبا كانوا مدركين تماماً للاضطهاد النازي لليهود فإن لديهم بالتساوي تعاطف كبير مع معاناة اللاجئين الفلسطينيين.
وقال أنه يعتقد أن هذا لم يتضح فقط من المساهمات الكبيرة التي قدمتها حكومة جلالة الملكة لعمل “الأونروا”، بل من الجهود الواسعة للمنظمات الخيرية البريطانية الخاصة للاجئين.
أكد السيد تومسون للواء الأسد تطلع حزب العمال البريطاني لمنطقة الشرق الأوسط ضمن إطار السلام والأمن، ودعم هذه التطلعات من خلال تدابير الحد من التسلح، وبذل جهود تعاونية كبيرة من أجل رفع مستوى المعيشة.
دائما ما كانت إقامة ما يشبه سلطة وادي فينيسي(1) في الشرق الأوسط واحدة من الأفكار العظيمة للسيد أنورين بيفان(2)، ولا تزال من ضمن آمال حزب العمال.
وقال السيد تومسون أيضا إنه يريد أن يغتنم هذه الفرصة لتوضيح موقف جلالة الملكة من الاستعمار.
كان يعلم أن هناك قدرا كبيرا من سوء الفهم في الشرق الأوسط فيما يخص سياستنا في اتحاد الجنوب العربي(3). أراد أن يؤكد للواء الأسد أن حزب العمال الذي كان في فترة ولايته السابقة قد أعطى أكثر من 400 مليون شخص في آسيا استقلالهم، وكان متحمسا لمنحها لمليونين أو ثلاثة من الجنوب العربي.
أجاب اللواء متعاطفا، وكان الدكتور العلوني بارعا بما فيه الكفاية لعدم ترجمة عبارة تشير إلى جنوب اليمن.
أعرب السيد تومسون عن استعداده الكبير لوضع اللواء في اتصال مع مكتب النقل(4)، دون إثارة الكثير من الردود. تم الاتفاق أخيرا على أن يلتقي بنا في حال وجد لديه الوقت لإجراء مثل هذه الاتصالات، ولكنه لم يقم بذلك، واختتمت المقابلة بتعبيرات متبادلة من التقدير “.
هنا دليل آخر على عدم وجود لقاءات أخرى للأسد مع البريطانيين، حتى أن لقاءه بالوزير تومسون لم يحمل حينها صفة الرسمية.
تختتم الوثيقة بالقول: ” أخشى أن الاجتماع لم يعطِ أي تشجيع في أن نجد من خلال الاتصالات السياسية الحزبية طريقة تفكير تمكننا من التواصل مع حكام سوريا الحاليين.
ربما لم يكن اللواء الأسد ضالتنا المنشودة لهذه العملية (التواصل). وعلى رغم كونه لطيفا بما فيه الكفاية، لكنه في هذا الاجتماع القصير لم يعط انطباعا بكونه ضابطا صغيرا برز نجمه في الجيش السياسي.
فهو يتكلم عبارات نمطية، ولم يقدم دليل على أفكاره الشخصية حول المشاكل السياسية، أو رغبة خاصة في علاقات جيدة مع المملكة المتحدة، ولم يبد دينامية شخصية حيال ذلك”.
ولكنني آمل أن يكون جهد السيد تومسون قد حقق بعض الخير، وأن يقوم أعضاء البرلمان الزائرين باتصالات أكثر استجابه “.
طوال الخمس وثلاثين عاما اللاحقة، بقي الرئيس حافظ الأسد وفياً لمبادئه وسياساته، لم يحد عنها، ولم يتنازل أمام أعتى الضغوط والمواقف، لقد كانت فلسطين على الدوام قضيته الكبرى، ومعها قضايا سوريا والعرب جميعا.

راي اليوم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى