هوامش حول الورقة النقاشية السادسة / المحامي عبد الرؤوف التل

عن الدولة المدنية وأهميتها، عقد يوم الأربعاء الموافق 15/2/2014 جلسة حوارية في منتدى الفكر العربي تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن حفظه الله شارك في الحوار نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن العام، وذلك لمناقشة الورقة السادسة التي كتبها جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، مبدأ سيادة القانون باعتباره عنوان الدولة المدنية الحديثة، وكيفية الوصول إليها، وقد أكد سمو الأمير الحسن، أن الدولة المدنية تتحقق بتطبيق مبدأ سيادة القانون، وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات، والإدارة الحصيفة، والتي تُسير المؤسسات العامة، وكذلك القضاء العادل النزيه من مقومات الدولة المدنية.

من يقرأ الورقة التي كتبها جلالة الملك عن سيادة القانون وما فيها من روح إيجابية للنهوض بالدولة الأردنية، يجد في حقيقة الأمر أنها ناقدة للواقع المر الذي آلت إليه الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية والأخلاقية، حيث تراجعت منظومة القيم تراجعاً كبيراً في كل المجالات.

من يقرأ الورقة الملكية السادسة بإمعان، يجد أنها تبعث روح الأمل في النهوض والتقدم، وتطرد اليأس والقنوط، لأن معرفة الواقع المعاش ونقده بشجاعة، تحتم علينا العمل بهمة للتخلص من كل الأمراض الاجتماعية والأخلاقية، وتحرك إرادة المسؤولية عند الفرد والجماعات لمواجهة التحديات والصعوبات الاقتصادية، وتثير فينا روح التساؤل لماذا هذا الإخفاق المزمن في التنمية المستدامة، وجلب الاستثمار، ولماذا اسند الأمر إلى غير أهله في كثير من المواقع، وكيف يمكن التخلص من ذلك.

الآن الأردن محاط بغابات ملتهبة من كل الجهات، والأرض العربية تحترق تحت أقدام الشعوب التي أنهكها الاستبداد الداخلي، والتدخل الخارجي، الذي يغذي الاقتتال، وقد أصبحنا نشتم رائحة اللحم البشري في كل وقت، ونشاهد جثث الرجال والنساء والأطفال تحترق بالنار وتتطاير أطراف البشر في الهواء كأنها العهن المنفوش.

الواقع يقول كما جاء في الورقة النفاشية السادسة، أن الأردن يتحمل أثار الصدمات الخارجية، ويستقبل الهاربين من الموت ليستظلوا بالأردن بالأمن والأمان ويذوقوا طعم الكرامة.

إن مشهد الحياة اليومية الذي نعيشه مؤلم، بسبب فقدان الانضباط، وفلتان القيم الأخلاقية، لأن مبدأ سيادة القانون لم يعد له وجود في أغلب الحالات، اطلاق نار في الأفراح يزهق أرواحا، عدم التقيد بقواعد السير يزهق أرواحا، ويسبب مشاكل اجتماعية بين الناس ويزيد من عدد المعاقين وأصحاب الحاجات الخاصة، وأن الجامعي المتفوق في دراسته المنضبط في سلوكه وأخلاقه لا يجد عملاً لأنه لا يملك واسطة وليس محسوباً على أصحاب النفوذ والسلطة، بل محسوبا على الجماهير الضفيرة التي تسعى للقمة عيشها بكرامة.

المواطن الحر هو الذي يريد مبدأ سيادة القانون لأنه يضع الجميع على قدم المساواة، أما أصحاب الأطماع، والجشع المليئة نفوسهم بالتكبر يريدون أن يتم استثناؤهم من سيادة القانون، لأنهم يريدون أن يكونوا هم القانون، وهم أدوات تطبيقه، وهذا انحطاط يولد استبداداً وفقراً وفساداً، ترفضه الأفكار والقيم التي تحدث عنه جلالة الملك في الورقة النقاشية السادسة.

إن الحديث عن الإدارة الحصيفة، يؤكد أن العمل الإداري الهادف إلى تطوير إدارة الدولة لا يتحقق إلا بتطبيق مبدأ سيادة القانون وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والشفافية، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص على أوسع نطاق، وهذا الأمر يحتاج إلى حكومات قوية صلبة لديها أفق سياسي ورؤية مما يجب أن تكون عليه مؤسسات الدولة، من عمل منضبط حتى تؤدي المؤسسة الهدف الذي من أجله تم أقامتها، لأن مدير المؤسسة صاحب الكفاءة والخلق هو المؤهل للقيادة فعلاً، أما المدير الذي تقدم له المؤسسة تنفيعة وهدية لبعض الوقت لينتفع منها، فأنه يقودها إلى الخراب والدمار، أما هو فيسير باتجاه الثراء والتكبر على العباد وهذا سبب تخلف مؤسساتنا العامة والخاصة، وانتشار جرائم الفساد فيها.

قديما قال شكسبير أديب بريطانيا التاريخي من السهل أن تحكم عن بعد لكن من المستحيل أن تدير إلا عن قرب، الواقع يقول إن الحكومات الأردنية المتعاقبة، المناط بها إدارة مؤسسات الدولة، بعيدة عن واقع الشعب وتعيش في برج عاجي، وليس بينها وبين قواعد الشعب تواصل، لذلك تعاني المؤسسات من أمراض وأوجاع، يجعلها لا تؤدي دورها الذي من أجله وجدت، لذلك، قال جلالة الملك حفظه الله إن التواني بتطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها، وتساهل المسؤولين في تطبيق القانون بدقة وشفافية ونزاهة وعدالة ومساواة، يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون وكأني بجلالة الملك يؤكد أن النقد الاجتماعي والسياسي ضروري لا بد منه لتقويم اعوجاع الإدارات والإداريين، لأن النقد يتحدث عن السلبيات ومحبطات الأعمال، ما يجعل المسؤول يستقيم في عمله، لأن وعي المواطن الناقد يلاحقه ويتابعه، ويجبره أن يعود إلى الصواب.

ومما لا شك فيه أن المحسوبية والوساطة سلوكيات خاطئة تفتك بالمسيرة التنموية، وهي تحول دون النهوض بالوطن، وممارستها تنخر بما تم إنجازه وتحقيقه، لأنها أي المحسوبية والوساطة لا تضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، ولا تقدم صاحب الخلق وصاحب الكفاءة ليمارس دوره في الحياة العامة، لأنها تسند الأمر إلى من لا يستحقه من أبناء المتنفذين والمسؤولين الأمر الذي يجعل دائرة التذمر والغضب تتصاعد عند الناس، لأن الأمر بالواسطة والمحسوبية، أسند إلى غير أهله، إن مرض الواسطة والمحسوبية لا بد من سحقه وسحق من يمارسه من الذين شاءت الأقدار أن يكونوا من أصحاب القرار في المقال التالي تتحدث عن القضاء والدولة المدنية وصحيفة المدينة كما جاء في الورقة النقاشية السادسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى