هل حقاً الإرهاب لا دين له؟ / محمد نغوي

هل حقاً الإرهاب لا دين له؟

الإرهاب لا دين له، جملة يرددها المسؤولون والاعلام عند حصول كل عمل إرهابي، وكلما سمعتها احترت في تفسيرها، فالعمل الارهابي هو فعل بشري لا يأتي من فراغ، بل يأتي بناء على دوافع ومشاعر متراكمة تمت تغذيتها وتنميتها إلى أن وصلت إلى الدرجة التي جعلت ذلك الشخص يرتكب ذلك الفعل، دون أن يهتم بما سيؤول إليه مصيره بعد ارتكاب ذلك الفعل، فهو لا يهتم إن أعدم أو سجن نتيجة ما قام به، بل أنه يتفاخر ويشمخ بما فعله، والانسان الذي يصل إلى تلك المرحلة من الإصرار على ارتكاب العمل الإرهابي، لا يمكن ان يكون دافعه الشهرة فقط، كما يستحيل أن يكون دافعه نزعة عرقية أو عنصرية، لو كان صحيحاً أن مرتكب العملية الإرهابية في نيوزيلندا دافعه عنصري نابع من شعوره بتفوق عرقه الأبيض، لكانت العملية شملت المسلمين وغير المسلمين، حيث يوجد في نيوزيلندا مهاجرون من مختلف العرقيات الأسيوية والافريقية ومن أتباع ديانات مختلفة، فالبوذيون والهندوس في نيوزيلاندا نسبتهم ثلاثة أضعاف نسبة المسلمين، ولكن الحقيقة الواضحة هي أنه كان يقصد المسلمين تحديداً دون غيرهم ومهما كانت عرقياتهم، حتى لو كانوا مسلمين أوروبيين وذوي بشرة بيضاء، وبالتالي فإن القاعدة التي انطلق منها ذلك الإرهابي كانت قاعدة دينية، وما حرك ذلك الإرهابي وأمده بتلك المشاعر من الفخر والاعتزاز الذي تبدى في الفيديو الذي صوره أثناء تنفيذه لتلك الجريمة، هو استحضار أحداث تاريخية من الصراع المسيحي-الإسلامي، فهو رأى نفسه صليبياً ينتقم للمعارك والأحداث التي هُزم فيها المسيحيون أمام المسلمون، إذا فالدين هنا أصبح هو المصدر لإرهابه، والدين هو نفسه الذي جعل الإخوان يقتلون بعضهم في يوغوسلافيا السابقة، حيث دارت حرب راح ضحيتها أكثر من (140) ألف إنسان بين الأرثوذكس الصرب والكاثوليك الكروات والمسلمون البوسنيون، وقتلوا بعضهم البعض على الرغم من كون الثلاثة شعوب هم من عرق وأصل سلافي واحد، والدين هو الذي جعل العربي يقتل أخاه العربي، هذا شيعي وذاك سني فقتل مئات الآلاف في حرب طائفية وتشرد الملايين، والدين هو الذي جعل الرهبان البوذيين يرتكبون أبشع المجازر بحق المسلمين العُزل الروهنغا، والدين هو الذريعة التي قامت من خلالها الدولة الصهيونية وشردت وقتلت المسلمين والمسيحيين، والدين هو المطية التي امتطتها التنظيمات الإرهابية وهو الذي جعل القاعدة تشن غزوة نيويورك، وعلى أساس الدين تم تقسيم شعوب شبه القارة الهندية وقتل مئات الآلاف وهجر عشرات الملايين من الهندوس والمسلمين، وعلى أساس ديني قسمت “جنة الله على الأرض” كشمير إلى هندوسية ومسلمة، والدين هو أيضاً الوقود الذي يغذي المجازر التي تجري في نيجيريا وافريقيا الوسطى اليوم بين المسلمين والمسيحيين.

أمام كل تلك الوقائع فإن جملة (الإرهاب لا دين له) لا تعني أبداً أن الدين لا علاقة له بالإرهاب، بل الأصح هو أن (الإرهاب لا دين محدد له) لأن أتباع كل الديانات تتخذ الدين ذريعة لارتكاب الإرهاب.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى