هل تخليتم عن حلم الدولة الإسلامية ؟ / مالك حسن العمري

هل تخليتم عن حلم الدولة الإسلامية ؟

قبل أن أجيب لو سألتكم ما هي الدولة الإسلامية وأين دستورها وقوانينها وتشريعاتها سوف تعودون إلى التاريخ وسوف أعود معكم كي نعرض مشاهدا تصف الدولة الإسلامية ..
فلنبدأ بقصة سقيفة بني ساعدة : بعد انتقال المصطفى – صلى الله عليه وسلم – إلى الرفيق الأعلى مرّت الدولة بأصعب اختباراتها فالقائد الأعلى والرئيس قد مات – صلى الله عليه وسلم – ولا يوجد نصٌ شرعي يولّي احدا بعده ولا يوجد ولي للعهد ، فاختلف الصحابة بين سعد بن عبادة وابو بكر الصديق ( وكلنا نعلم أن الصحابة لا يختلفون على أمر قطعي ) فمن البداية لم يكن الخليفة بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – امراً قطعياً بل كان محل خلاف لجأ فيه الصحابة إلى مبدأ من مبادئ الدولة ( الشورى ) وهذه أول صفة للدولة ومن أهم صفاتها .
ثم اختار الصحابة ابا بكر – رضي الله عنه – خليفة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم .

..
القصة الثانية
اختلف ابو بكر وعمر رضي الله عنهما في أمر خالد بن الوليد – رضي الله عنه – وكان ابو بكر قد جعل خالد بن الوليد أميراً على الجيش ، وكان خالد بن الوليد يُكثر من الاجتهاد دون أن يرجع إلى ابي بكر في كل مسألة ، فأشار عمر على ابي بكر أن يعزله لهذا السبب فرفض ابو بكر ، وأقرَّ ابو بكر طريقة خالد ، وعندما تسلم عمر الخلافة عزل خالد عن إمارة الجيش . فكان ابو بكر يميل في عمله إلى اللامركزية أما عمر بن الخطاب كان يميل إلى المركزية ، وهنا مبدأ آخر من مبادئ الدولة ( القوانين وأساليب الحكم أصلها الاجتهاد والاختلاف ) فالدولة مبنية على الاجتهاد والاختلاف ولا يوجد طريقة معينة مفروضة على المسلمين ، فلكل قائد طريقة ولكن في هذا الزمن الدستور يُلزمنا بطرق معينة وهذا أضبط وأقرب للعدل.

وللناس في السياسة مذاهب كثيرة فلا يجوز لأحد أن يفرض طريقته على أنها الطريقة الإسلامية او أنها طريقة حُكم الله ! والله أعظم وأجل .

مقالات ذات صلة

..
القصة الثالثة
أن عمرو بن العاص رضي الله عنه، عندما كان واليًّا على مصر في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، اشترك ابنٌ لعمرو بن العاص مع غلام من الأقباط في سباق للخيول، فضرب ابن الأمير الغلام القبطي اعتمادًا على سلطان أبيه، وأن الآخر لا يمكنه الانتقام منه؛ فقام والد الغلام القبطي المضروب بالسفر صحبة ابنه إلى المدينة المنورة، فلما أتى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، بَيَّن له ما وقع، فكتب أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص أن يحضر إلى المدينة المنورة صحبة ابنه، فلما حضر الجميع عند أمير المؤمنين عمر، ناول عمر الغلام القبطي سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن عمرو بن العاص، فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفا ما في نفسه. ثم قال له أمير المؤمنين: لو ضربت عمرو بن العاص ما منعتك؛ لأن الغلام إنما ضربك لسطان أبيه، ثم التفت إلى عمرو بن العاص قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟.
وهنا مبدأ مهم جداً قد يكون الأهم ( المواطنة أساس العدل ) فالدولة تعدل بين جميع مواطنيها بغض النظر عن جنسهم ولونهم ودينهم ، وليس كل مسلم مواطن بل يمكن أن يكون خائناً او عدواً للدولة ، وليس كل إنسان غير مسلم عدوٌ للدولة بل قد يكون من أرقى مواطني الدولة وأكثرهم تقديماً وعطاءً للدولة.
وميزان التفاضل في الدولة ليس إلّا أداء الواجبات بأعلى مستوى وأفضل طريقة .

وهذا النص من وثيقة المدينة “وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
..
وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
..
وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.”

..
وثيقة المدينة : دستور المدينة أو صحیفة المدینة: تم كتابته فور هجرة النبي محمد صلى لله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وهو يعتبر أول دستور مدني في التاريخ، وقد أطنب فيه المؤرخون و المستشرقون على مدار التاريخ الإسلامي، واعتبره الكثيرون مفخرة من مفاخر الحضارة الإسلامية، ومَعلَمًا من معالم مجدها السياسي والإنساني.

إن هذا الدستور يهدف بالأساس إلى تنظيم العلاقة بين جميع طوائف وجماعات المدينة، وعلى رأسها المهاجرين و الأنصار والفصائل اليهودية وغيرهم، يتصدى بمقتضاه المسلمون و اليهود وجميع الفصائل لأي عدوان خارجي على المدينة.

وبإبرام هذا الدستور –وإقرار جميع الفصائل بما فيه- صارت المدينة المنورة دولة وفاقية رئيسها الرسول-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصارت المرجعية العليا للشريعة الإسلامية، وصارت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة، كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، والمساواة والعدل.

والتاريخ الإسلامي مليء بالقصص التي تدل على حرص المسلمين على العدل والحرية والعزة والنصرة للمظلومين.

هل تخليتم عن حلم الدولة الإسلامية ؟ والآن أجيب عن السؤال لا لم نتخلى ، بل فهمنا ما نُريد والآن لا تهمنا المسميات بل نريد القيم ونسعى لها .

الدولة التي نريدها ترعى حقوق الجميع وتفرض على الجميع نفس الواجبات ، والشورى هي مصدر التشريع وهي مصدر القوانين ، ولا يوجد صورة معينة مفروضة على الجميع في الشورى ، بل هي مفهوم واسع يشمل الديموقراطية وغيرها ، دولة العدل والحرية والكفاءات والعزة ونصرة المظلومين دولة المواطنة .
وكثيرون يسمّونها دولة مدنية او دولة لا دينية
سمّوها ما شئتم : دولة دينية ، دولة مدنية ، دولة إسلامية ، دولة علمانية ، المهم أن تشمل ما سبق.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى