هل الغرب متشابه؟ / ماهر عدنان قنديل

هل الغرب متشابه؟
لاحظت من خلال متابعاتي لما يكتبه بعض المثقفين العرب، أن كلمة “الغرب” عندهم واسعة ومبهمة، وأنهم لا يفرقون كثيراً لا جغرافياً، ولا سياسياً، ولا ثقافياً، بين غربي وغربي، ولا أحياناً بين غربي وشرقي.. ولا ينتبهوا، مثلاً، لكون روسيا دولة شرقية جغرافياً وثقافياً، مثلها مثل تركيا، وأن الولايات المتحدة أقرب إلى الشرق وأسيا جغرافياً منها إلى الغرب الأوروبي، وذلك من خلال أكبر ولاياتها مساحة “ألاسكا”، وحتى من خلال باقي ولاياتها، وبلغة الأرقام، فإن المسافة بين “ألاسكا” الأمريكية و”سيبيريا” الروسية هي 80 كم فقط، أي نفس المسافة تقريباً بين “دمشق” و”درعا” وأقل قليلاً من المسافة بين “دمشق” و”حمص”..
وحتى وإن قال قائل إن كلمة “الغرب” لها مدلولات سياسية أكثر منها جغرافية، فإن “أمريكا” رغم إقترابها ثقافياً لأوروبا نسبة إلى الهجرة الألمانو-إيرلندية بالخصوص، غير إنها من الناحية السياسية تختلف كثيراً عن أوروبا الغربية، وحتى داخل الدول الأوروبية نجد إختلافاً تاريخياً وسياسياً وعرقياً ..
هناك هوس عربي كبير بكلمة “غرب” و”غربي” و”أوروبي”، ويعتقدون أن الغرب كله متشابه ومتحد في السياسة وفي الجغرافيا وفي التاريخ وفي فرص النجاح كذلك.. ويظن العرب في وعيهم وربما في لا وعيهم، أن سياسة أمريكا هي نفسها سياسة فرنسا ولا تختلف فرنسا في سياستها عن بريطانيا أو ألمانيا.. ويعتقدون أن أي مؤامرة تحصل ضدهم يكون سببها العالم الغربي بأكمله.. ولا أعرف كيف تكونت كل هذه الأفكار الغريبة في العقول العربية؟
“الغرب” لا يتشابه بهذه الصورة الكاريكاتورية التي يصنعها العرب في مخيلتهم.. فالدول الغربية لديها إستراتيجيات مختلفة تسير عليها في سياساتها الداخلية والخارجية.. وحتى داخل كل دولة هناك لوبيات إقتصادية وأحزاب سياسية لكل منها توجهاته السياسية المختلفة..
وخير دليل على ما أقول، نراه يتجسد اليوم من خلال السياسات الغربية في منطقتنا العربية، وخير مثال على ذلك هو ما نلاحظه اليوم في المشهد السوري، حيث تقف “أمريكا” و”روسيا” ضد التقسيم، الذي تطالب به بعض التنظيمات الكردية المطالبة بالحكم الذاتي والمدعومة إسرائيلياً وفرنسياً، وهذا تقريباً ما حصل في بداية القرن الماضي، حينها تصارعت “بريطانيا” و”فرنسا” على الشرق بإستراتيجيات مختلفة، كانت إستراتيجية “بريطانيا” مبنية على المطالبة بالوحدة وعملت على ربط المنطقة تحت راية واحدة تكون هي المستفيدة منها، أما إستراتيجية “فرنسا” كانت مبنية على المطالبة بتفكيك المنطقة لكي تتقاسمها مع “بريطانيا”، لأن ذلك كان يشكل أقصى طموحات “فرنسا” حينها أمام قوة “بريطانيا” المتواجدة في المنطقة والمتوزعة بين مكاتب “الهند” و”القاهرة”، وهذا الصراع بين الطرفين أوصلنا إلى إتفاقية “سايكس بيكو”..
والإختلاف في السياسات الغربية، نراه كذلك اليوم يتجسد في المغرب العربي، من خلال المشكلة الليبية، التي تختلف من خلالها إستراتيجيات القوى الغربية، بين مساند لطبرق، وأخر لطرابلس، ولاحظناها قديماً، وحديثاً، من خلال مشكلة الصحراء الغربية.. حيث وقفت “فرنسا” وبعض الدول الأوروبية مع حليفها الملك “الحسن الثاني” (الذي كان يعتبر المغرب ذو ثقافة وجغرافيا أوروبية)، في حين وقفت الدول الإشتراكية وأمريكا مع مطالب الصحراويين..
هذه بعض الأمثلة، التي تظهر أن كلمة “الغرب” ليست ذات حدود واضحة وبسيطة، بل لها معاني واسعة، يجب أن يعي العرب جيدا ما يقصدوا بها، من خلال تداولها..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى