هل أتاك حديث (تم) على مسرح الخوارزمي

هل أتاك حديث (تم) على مسرح الخوارزمي
جمال القيسي
أتاني، لعمركَ، حديثُ التحالف المدني واجتماعه الأول على مسرح الخوازمي، معلنا تشكيل حزب سياسي؛ فأيقنت أنه حديثٌ تم وحديثُ تم؛ وجال في خاطري واقترحت على نفسي اختصار اسم حزب (التحالف المدني) إلى (تم) على غرار اختصار أسماء الأحزاب والمنظمات والحركات النضالية.
واستعدت في ذاكرتي صور موجة الاحتجاج السلمي التي كانت تنظم بدافع شعبي تلقائي وعميق لدينا، من خلال منشور على فيسبوك للاحتجاج، فيبادر المؤمنون بفكرة المقاطعة إلى التأكيد على التزامهم بها من خلال تعليق بكلمة واحدة (تم) وقد نجحت تلك الحملات ومنها مثلا، لا حصرا، حملة (وقف سيارتك) احتجاجا على قرار الحكومة رفع أسعار المحروقات العام الماضي؛ فتم رصد نجاح الحملة من خلال عدة وسائل؛ مثل تراجع مبيعات الوقود في فترة المقاطعة (3 أيام)، وأكدت خرائط (جي بي اس( خلو الشوارع من الازدحام المروري، وغير ذلك.
لم أقفز، هنا، عن مبادئ الحزب، يا صديقي، إلى أدوات تنفيذه لاستراتيجيته وبرامجه، لكنك تستعجل، وسآتيك بالخبر اليقين؛ إذ أن مبادئ (تم) تقوم على فكرة المدنية، ومفادها السعي إلى الوصول للدولة المدنية الديمقراطية بالوسائل القانونية والسلمية؛ ما يعني أن كل طرق التعبير عن الرأي والاحتجاج والتظاهر السلمي والنقد، والمشاركة ما إلى ذلك، هو من أدوات الحزب لتنفيذ برنامجه المنبثق، بالطبع، عن مبادئه. لا بأس لو أني أبسط الأمر؛ ذلك أني أكافح في الوصول لعقول مناهضي الحزب والمشككين والمرجفين في المدينة.
يواجه التحالف المدني، اليوم، سيولا من التشكيك والتخوين، والانتقادات التي وصلت حدود السخرية المراد منها التجريح لغايات أبعد من ما في نفس يعقوب، عليه السلام، وسواه، ولئن كان ذلك حقا طبيعيا لكل شخص إلا أن السقوط في (بلاهة الشخصنة) انهزام مثير للشفقة في شخصية أتباع هذه البلاهة، وهؤلاء بحاجة حقيقية إلى التربية الحزبية، أو كما قال أحد الحاضرين في اجتماع (تم) أمس؛ ومن بلاهة الشخصنة، يا رفيق، لك أسوة غير حسنة في منشور نائبة حزبية، نعتت نواة الحزب بـ (أعداء الدين)! وكان المأمول في سعادة النائبة أن ثقافتها الحزبية، إن وجدت، قد شذّبتها فترفعها عن دَرَن الشخصنة (عموما هذا موضوع ثاني).
ذاك مثال على (الشخصنة النخبوية)، أما الشخصنة من النوع الثاني؛ فهي أقرب إلى البساطة والسذاجة والطيبة وبحاجة إلى جهد في الإقناع كي يظل الحزب ملتحما في جماهيره، لا يحدثهم من علٍ، ولا يرفع في وجوههم لافتة من ليس معي فهو ضدي، فالحزب جذوته الناس، لا كي يحترقون فيتدفأ الرفاق، بل بمعنى جذوة الوجود والديمومة التي تشكلت الفكرة النبيلة من أجلها.
أهم ما في الاجتماع العلني الأول، كان أسئلة و/أو مداخلات الحاضرين، تلك التي لم تعجب الكثيرين من المتابعين وبعض الشركاء؛ فقد أظهرت التلقائيةُ الحاجةَ الحقيقية للدولة المدنية وما تعنيه من المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، وما وقر في النفوس منها، وكل حسب تقديره، حتى أن أحد المواطنين تبرع لمقر للحزب في محافظة مادبا، ثم سأل عن هوية الحزب فيما إذا كان يساريا أو يمينيا أو..إلخ، هذا السائل الذي قوبل بانتقادات (ساذجة أيضا) هو مواطن حقيقي يحلم ببلاد كما البلاد، ومستعد للتضحية كي يرى لأبنائه مستقبلا حقيقيا يختلف عن الواقع الصلد المهين.
هل كان ثمة لغة متعالية من الشركاء على الحضور؟ مطلقا؛ لكن خان التعبير بعض الإجابات، وهو أمر طبيعي جدا في اجتماع عفوي، شعبي إذا شئت، وهي الحقيقة التي يشكك بها المشخصنون (من النوعين)؛ فإذا أدار الشباب الاجتماع قيل ثمة أياد خفية تحرك المشهد، ولو أداره الشركاء لقيل تصدّر المجالس الطامعون في أمانة الحزب، الشرهون للهيمنة على المليارات التي ستتدفق على الحزب من السي أي أيه!!
يا صديقي. هذا مشروع سياسي طموح، يزعم الوطنية إذا رأيتَ ذلك، لك حرية الانخراط فيه أو النأي عنه، وسيكون مرخصا بموجب أحكام القانون، فلا تخش الملاحقة الأمنية وأقبية المعتقلات. تلك صفحة طويت، والساعة لا ولن تعود إلى الوراء. معركة الدولة، اليوم، أكبر وأجدر بأن تتجشم عناء المشاركة والمكابدة فيها. فخضْ نضالك، وكن في النفير كي لا تقعدنّ بعدها لا ملوما ولا محسورا، ثم تعمه في غيّك المتناقض فتقعد عن أقل واجبك فلا تضع (تم) على منشور حملة مقاطعة تسعى إلى إسقاط حكومة تقمعك!
في إحدى قصص الأستاذ نجيب محفوظ يلتقي أحدهم بعد فراق طويل زميله في الجامعة، ورفيقه القديم في العمل السياسي، ومعه أسرة كبيرة فيسأله عن أخباره وتعاطيه مع الهم العام؛ فيجيبه صديقه وهو يشير إلى زوجته وأولاده الكثيرين أمامه: (لقد أشغلني الخاص عن العام)!
لم يعقب محفوظ على فداحة الخطأ في الفهم لدى ذاك المتقاعد المتقاعس عن الهم العام! هل تعلم لماذا؟ لأن تلك قصة قصيرة مهمتها تحفيز القارئ على التحليل، وتحريضه على الاعتراض، وليس الروائي الفذّ بالعاجز عن (تذكيرك) أن أي شيء خاص يحدث لك وتتنكب آثاره إنما هو نتيجة العمل العام يا حبيب القلب.
أظن اسم تلك القصة (أسعد الله مساءك) لنجيب محفوظ، وهو، كما تعلم، صاحب الرواية اللافتة (أولاد حارتنا) الصادرة العام 1950 وتعرض بسببها إلى الطعن في محاولة اغتيال غاشمة العام 1995 على أيدي إرهابيَين لم يقرأ أي منهما الرواية حسب ما أفادوا في التحقيق! … تم ؟

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى