هكذا حلم هردبشت / يوسف غيشان

هكذا حلم هردبشت
كنت طفلا بائسا وفقيرا وخجولا وضعيفا ، وكانت هذه الميزات تؤهلني لأكون مواطنا مفرطا في العادية ، أُولد جائعا وأموت جائعا ، فيما يأكل الآخرون من عرق جبيني وقلبي.
كنت مؤهلا لذلك المصير، لكن تعرّفي على الصحفي البارز في صحيفة (الكوكب اليوميّ) نبيل فوزي قلب كل المعايير. بالمناسبة نبيل فوزي هو الشخصية السرية لسوبرمان في المجلات المصورة المترجمة للعربية ، التي كنت مدمنا على قراءتها ، مستغلاً كوني بيّاع جرايد ومجلات متجوّل في الحارات والأزقة . وربّما من تلك الفترة وأنا أحلم بأن أكون صحفيا .
كم أُعجبت بقوة سوبرمان وجبروته وأخلاقياته العالية في ذات الوقت ، وكم أهدرت – وما أزال – ساعات طويلة من حياتي وأنا أتخيل ذاتي مالكا لقوىً سوبرمانية جبارة ، حيث أمتلك القدرة على الطيران والرؤية والسمع من مسافات بعيدة جدا ، والعودة إلى الماضي أو الاندلاق في المستقبل .. ولا يضعفني شيء ، بينما كان سوبرمان يفقد قواه أمام مادة الكريبتونيت الأخضر والذهبي والأحمر ، الذي تشكلت من شظايا انفجار كوكبه الأصلي ، وسقوط بعض القطع منه على الأرض على شكل نيازك وشهب.
حلمى الأول كان – وما يزال – تحرير فلسطين وإعادة الفلسطينيين الى بيوتهم ، وبما أني كنت أمتلك أخلاقيات سوبرمانية … لا تسمح لي بقتل أحد ، فقد كنت أنوي وضع الصهاينة الذين يوافقون على السفر من فلسطين بعد تحريرها في سفن أصنعها لهم على عجل ليعودوا الى بلادهم.
لمّا كبرت قليلا ، تغيرت بعض تكتيكاتي ، فصرت لا أميل إلى محاربة جيش الدفاع الإسرائيلي وتجريده من أسلحته ، بل قرّرت أن أحفّز العرب والفلسطينيين من أجل محاربة اليهود ، واعداً إيّاهم بأنّي سأكون موجوداً وقت الحاجة لإنقاذهم أو مساعدتهم على النصر.
أدمنت على أحلام اليقظة ، فصرت أقرأ وأحلم ، ، أحلم وأقرأ ، ولم أمارس أي رياضة ..أو أيّ شقاوة أو أيّ مراهقة .
هكذا ظللت أحلم حتى ضاعت بقية فلسطين ، وظللت أحلم حتى تفتّتت منظمة التحرير … وحتى انتهى شعار المقاومة العسكرية وتحول الفدائيون الى مفاوضين مبتدئين ، غير مهرة على الإطلاق .
لم أحصل على قوة سوبرمان ، بل صرت بفعل الزمن أفقد قواي الطبيعية ، وتجاوزت الخمسين وأنا ما زلت أقرأ وأحلم .. .أحلم وأقرأ.
للعلم ، حلمي الأخير يدور حول استخدام قواي الجبارة من أجل الوصول إلى الحمام في الوقت المناسب.
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت))الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى