“هسّع فضينا”

مقال الأحد 2-4-2017
النص الأصلي/ “هسّع فضينا”
زمن الطفولة.. كنّا نحبّ جدّاً قدوم الضيوف ، لا لأننا من المضيافين الذين لا تنطفئ نيرانهم ،بل لأن وجود الضيوف يضفي بعض الحماية لتصرفّاتنا الممنوعة والمراقبة من قبل الوالدين طوال الوقت..لذا كنّا نستغّل أجواء الضيافة كونها “طعّة وقايمة” و”نقزع” قرن موز صومالي بطول السيف لم نكن نراه سوى في كتب العلوم ودفاتر الطبيعة ونأكله أمام الضيف بكل ثقة وحماية ، مستغلين وجود الأخير وأجواء الكرم والجود السائدة ..طبعاً الأهل يبتسمون لنا مرغمين وهم يرون عملية سلب قرن الموز بكافة تفاصيلها الفجّة لكن تلك الابتسامة كانت بمثابة “مكياج” لقلوبهم الطافحة في الغل على هذا التصرف الأرعن وهذا الابتزاز المدروس…
لم نكن نتوقّف عند هذا الحد ..فوجود الضيف يعني القفز عن كل النواهي وكسر باقي المحرّمات…فمثلاً نستغل التهاء الأهل بالحديث مع ضيوفهم فنسرق من النملية “عشرة قروش” ونذهب إلى الدكّان ونشتري قنينة بيبسي وحبة “دبل ويل” ونتمشّى بكل ثقة أمام الجموع دون الخوف من حفّاية طائرة أو زنار يُستلّ من “العلاّقة” أو بربيش ماء مثني كحرف “لا” ..طبعاً الأهل المقيّدون بكرم الضيافة وهدوء الأعصاب أمام الغرباء يبتسمون على مضض ويتابعون عملية الشراء غير المبررة ويصبرون على كل “المحالاة” التي كنا نمارسها مستغلين هذه الحماية الدولية المؤقتة…
وبعد ان ننتهي من “البيبسي والدبل ويل” وبما أنها طعّة وقايمة والناس مشغولة بتقديم الضيافة ولملمة “الكاسات” وصحون الفواكة..نأخذ شلن جديد من النملية ونشتري بوظة “مجدولة” ونمشي برفق دون استعجال أمام الحضور جميعاً ؛عين على البوظة وعين عل ردّة فعل المعزّبين أثناء لعق “الدورادو” الذائبة …يجامل الضيف الأهل بالطفل : “الصلاة ع النبي بيروح ع الدكّانة لحاله؟؟”..يطلق المندوب الأسري زفيراً طويلاً ويقول : “آه جدع..طول نهاره ختّي متّي”..بعد ذلك نسطو على النملية من جديد ونسرق “شلناً” جديداً لشراء “بزر دويرة الشمس” و”نفصفص” بطريقة استفزازية الحبات أمام الأهل والضيوف..وأحياناً نطلب من الصف الثاني من المعزّبين “تفصيم” البزر في حال عجزت أسناننا الأمامية المتآكلة عن فعل ذلك..أيضاَ كل هذه الأريحية في “الابتزاز” والمصرفة والبذخ في الصرف كانت بسبب وجود الضيوف واختناق الأهل بالمجاملة..وفور أن يخرج الزوّار من البوابة..كنّا نسمع “اصطكاك الأسنان” على بعد خمسين ياردة يرافقها النهرُ والهمُر بمقدمة لغوية لا تتغيّر”هسّع فضيت لك.. وكّ..ليش هيك..هو انت عملت عمايل؟…وبعد ذلك ينقطع البثّ!.
***
رئيس الوزراء استغل قدوم الضيوف للأردن وانشغال الإعلام والناس والرقابة بالقمة العربية والترحيب بالوفود واقتنص الطعّة وقايمة السائدة ..وقام بما كنا نقوم به أمام الضيوف،لكنه “لم يهمس قرن موز صومالي..ولا حبة دبل ويل مع كولا ولا بوظة مجدولة ولا بزر دوار الشمس..بل اشترى أمام أعين الضيوف والمعزّبين سيارة بـ120 الف ديناراً”مستغلاً التهاء الجو العام بالحضور..
الآن بما ان كل الزوار خرجوا من بوابات المطار ..ملء صدري هَمُرٌ ونهرٌ لأقول له : “هسّع فضيت لك..هو انت عملت عمايل؟؟؟”!!…

أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. لم تعد للأدبيات قيمة بأنفسهم فالمقال أصبح نسلية ..وليس للحكمة عندهم بنيان.. ولذلك قالت العرب ” من لا يقطعه الكلام لن يقطعه الحسام”

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى