هزات أرضيّة جيوسياسية / يوسف غيشان

هزات أرضيّة جيوسياسية

هذه المقدمة ليست تطمينية… يقع الأردن جيولوجيا ضمن منطقة حفرة الانهدام، التي نالت حظها من الزلازل منذ قرون، وكانت هذه الزلازل مدمرة لدرجة أن الصفائح الأرضية التي تؤدي حركتها الى الزلازل.. هذه الصفائح تكسرت لا بل تفتت في الكثير من المناطق، لدرجة أنه صار من الصعب – وليس من المستحيل- وقوع هزات ارضية كبرى.
كل ما في الأمر أني أنوي تفسير ما يحصل تحت الأرض بما يحصل فوقها..اتفقنا على أننا نعيش في منطقة صفائحها التحتانية المسؤولة عن الزلازل مفككة فلا تحصل احتكاكات كبرى، وإذا حصلت بعض الاحتكاكات الصغرى تمتصها القشرة الأرضية بكل سهولة.
هذا الأمر لا يحصل في عالم الجيولوجيا فقط لا غير، بل يحصل ايضا في عالم السياسة، وينعكس مباشرة على الحراكات الشعبية الأردنية، لأن طبيعتها تشبه الحراكات الأرضية تماما، فالحراكات مفتتة عموديا وعرضيا وعشوائيا، مما يسهل على الحكومات امتصاص ضرباتها واعتصاماتها باقل قدر من التصادم، فتعود الحراكات وتسكن ثم تحاول مرة أخرى.
قد يكون هذا التشابه الجيوسياسي ضعفا في الحراكات، لكني اعتقد انه من الممكن ان يتحول الى مصدر قوة أيضا إذا تم تفهّم المشكلة ومحاولة حلها واستغلالها. ولا يمكن أن يتحول هذا الوضع الى مصدر قوة للحراكات، الا اذا تغلبت على خلافاتها وتوحدت في كتل أكبر، وليس المطلوب أن يتحولوا- طبعا- الى كتلة كبرى، لكن – على الأقل- أن يتحول اليساريون الى كتلتين كبيرتين على (الحركات الأخيرة لوحدة بعض فئات اليسار هي حركات قائمة على اسباب خارجية وليس داخلية للأسف)، وكذلك يحصل مع القوميين وكذلك مع الإسلاميين.
اذا حصل ذلك، فإننا سنكون قد أوجدنا الشروط الموضوعية لتحركات تؤدي الى اهتزازات توصلنا الى تغيير خلاق، ويجبر الحكومات على عدم الإستهانة بالحراكات. طبعا لا أنكر أن للأوضاع الخارجية دورا كبيرا في تفتيت حراكاتنا، رغم التضحيات الكبرى التي قدمها شبابنا في المرحلة الأولى، لكنهم تفرقوا عند تفجر الأزمة السورية تحديدا، ولا أنكر الدور الداخلي للحكومات، التي اوقدت النار تحت جمر الخلافات بيننا.
بعد التوحد في كتل كبرى..عندها فقط يتم البحث عن آليات التغيير الإجباري، الذي يحول الحكومات من مجرد جابي في خزينة خراجية الى حكومة وطن تسعى الى مكافحة فعلية للفساد والى ديمقراطية أكثر ديمقراطية وحرية أكثر حرية، وتعتمد سياسة اقتصادية تخفف من غلواء التبعية – في المرحلة الأولى، على الأقل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى