هذه الحقيقة / علي الشريف

هذه الحقيقة
علي الشريف
اشعر باني ارغب باستراحة طويلة من عناء الاعلام استراحة يمكن ان اطلق عليها استراحة المتخاذل او استراحة المخذول لا فرق فالخذلان هو الاساس.
لماذا اريد ان استريح فانا على امتداد عمري لم اقدم شيئا لهذا الوطن لم استطع مثلا ان اكتب شيئا يشفي غليل الشعب او يسقط حكومة ولم استطع ان ادفع المسقفات ولا الفواتير لذا انا متخاذل .
منذ عقد من الزمان وانا اتابع الاعلام واتابع الكتاب وما يكتبون واكثر ما لفت انتباهي هو الكاتب المشاغب احمد حسن الزعبي الذي انبرى لسانه وقلمه وشاب شعره وانحنى ظهره وهو يتحدث عن الفساد والفاسدين ويتكلم بنبض الناس ولكنه لم يغير شيئا فاصبح الان يتعلم كيفية تنشيف الملوخية.
اريد ان استريح افتح علبة السردين بكل اناقة وامسح بيدي على غطاء علبة البوليبيف واضحك كثيرا وانا مسترخي تحت المروحة اكل واشرب الماء واسبح بحمد الحكومة وفوقي جرة العسل .
مهما بقيت اكتب عن نبض الناس وعن احتياجاتهم وعن صبرهم وتعبهم لن استفيد شيئا على العكس ساذهب الى الحسبة وافتح بسطة اتعلم فيها كيفية تلقيط العكوب وازالة الشوك منه فلربما كنت اقرب اكثر الى الناس.
اريد ان اتغير استريح من هم الناس اريد ان اصبح وبكل صراحة كاتبا حكوميا لي عامود ثابت في احدى الصحف اكتب فيه ما اريد اسبح فيه بحمد الحكومة ربما اتخصص بالاقتصاد ربما بالسياسة او ربما اكتب في صفحات الاداب عن الشعر الفيزنقيطي في الصورة الموروثه من خلال تداعيات الادب المخملي النابض بجمال اللوحة الشعرية المرسومة في الافق الذهبية فلربما اجد نفسي فجاة رئيس تحرير .
اريد ان اصير اي شيء اتحدث عن اي شيء لا فرق عن زجاجات الويسكي وقت الليل ومع نسائم الصباح عن روعة الخمر حين يكون مثلجا …اريد ان اكتب وانا اضع كاس الخمر امامي قصيدة لا افهمها انا ولا يفهما الناس او مقال اقتصادي يخالف كل نظريات الاقتصاد في الدنيا وتنشر صحافتنا بالخط العريض وفوق ما كتبت اسمي يلعلع.
اريد ان اناقض نفسي في كل شيء اكتب عن ضرورة الوحدة الوطنية واعارضها اسفل المقال واكتب عن الوطن بقدر ما انتفع منه لاني بكل صراحة لا استطيع ان اكتب عن محبة الناس ومحبة الشعب فهي شيء لا يمكن ان يكتب عنه .
اريد ان اكبر اصبح شيئا حين اذهب للبنك لا استطيع ان اعد عدد الواتب التي اتقاضها او عدد رواتب التقاعد التي تصلني لا اريد ان اكون مثل احمد الزعبي رايح جاي على المحاكم كما اني لا اريد ان اكون مثل صديقي محمود الشمايلة سقطت اسنانه ولم يسقط شرف القلم فبقي يبحث عن سيجارة وسط الليل
اريد ان اظهر على الفضائيات حسب المصلحة والحاجة وقيمة الدفعة فان استدعى الامر ان اجلد الشعب كله ساجلده ساركب الموجه في اي وقت واقنع نفسي باني كبيرت بينما انا في عيون كل الناس صغير واصغر اكثر .
ربما يسالتي وزير عن رايي بشيء فاقبض ربما يحتاجني شخص لامدحه واطري عليه فاقبض ربما تحتاجني الحكومة لادافع عن قرار لا يعجب الشعب فاقبض فليس المهم انتم المهم ما اقبض.
اريد ان انسخ ذاكرتي بل اتمنى ان افقدها نهائيا وابدا بذاكرة جديدة لا شيء فيها من حياتي السابقة …حتى طفولتي اريد ان انساها اريد ان انسى شبابي واتفرغ لارذل العمر فلعل فيه ما اتمنى لاني حين اصبح اهذي ساتاكد وقتها ان لي عامود وزاوية واستطيع ان انشر اي حكاية واي رواية وان اصنع نظريات اقتصادية واشمط راتبا يعادل رواتب عشرين موظفا يعملون افضل مني … لكني انا اكذب منهم جميعا وهذه هي الحقيقة التي لا زلت ارفضها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى