نظرة كلية في العلاقة بين مجتمع مؤهل واقتصاد أفضل

نظرة كلية في العلاقة بين مجتمع مؤهل واقتصاد أفضل

د . مروان الشمري

في معظم الدول التي تحترم شعوبها تقوم مراكز الدراسات والتخطيط والجامعات والمؤسسات المعنية بإنتاج دراسات التخطيط والتنبؤ والاستشراف والتحليل وإعداد التوصيات بدراسات بالغة الأهمية تتبع فيها نشوء وتطور كل الظواهر والتحديات والمشكلات التي تؤثر سلبا أو ايجابا في المجتمع. تقوم هذه الدراسات على أساس واضح غير قابل للتزوير والتخريب والتحريف وهو الأساس العلمي والمنهج الذي يتوافق وعقل البشر.
نعاني في الاردن ومنذ سنين طوال من أزمات وظواهر اجتماعية ومشاكل اقتصادية متعددة الأبعاد ومن اخطر ابعادها البعد الاجتماعي وبدء ظهور علامات إعياء شديد وترهل مجتمعي أدت الى ازدياد حالة الاحتقان العام المصحوبة بممارسات سلبية خطيرة داخل المجتمع الأردني وما زالت الحكومات تصر على تجاهلها وتعتمد سياسة التطنيش وعدم الالتفات لعلاجها من جذورها.
المشكلة الأكثر تعقيدا وهي الاقتصادية وما يرتبط بها اسبابا ونتائج تبدو الأكثر الحاحا وهنا لا بد من التذكير بما كتبه روجر مارتن عن حاجة الدول لقيادات سياسية وقادة مجتمع يتمتعون بميزة ال integrative thinking capability وما يرتبط بها من قدرة على قراءة صحيحة وتكاملية شاملة لأي مشكلة تواجه المجتمع ومنها هذه الاقتصادية لدينا في الاردن. هكذا قيادات وبهذه القدرات يستطيعون العودة للجذور المسببة لهذه المشكلات ومن ثم الانطلاق من هناك في وضع الاطر والنماذج المناسبة للحلول.
هنا لا أنكر أبدا حاجتنا لنماذج ناجحة دوليا ولكن بالتاكيد بشرطين : أولهما ان يتم تكييف هذه النماذج لتناسب الوضع الخاص والظروف الخاصة والسمات الخاصة لنا، وثانيها ان لا يتم استيرادها من مؤسسات الاستعمار الجديد او على الأقل وجود من يستطيع مناقشة ومقاومة ومفاوضة مسؤولي هذه الأدوات الاستعمارية.
مقدمتي هذه لها شروحات ذكرتها في مقالات اخرى ولن أكررها وقد وضعت اكثر من مرة اطر كلية تسمح بالتعاطي مع مشكلتنا الاقتصادية بنجاعة.
لكن في هذا المقال وددت التذكير بدور المجتمعات الواعية القادرة علميا والتي تمتلك ثقافة الوعي العلمي الدقيق بما يواجهها من أزمات ومشاكل وتحديات.
في هذا السياق وددت مشاركتكم بقراءة مقتضبة لمقال رائع في موضوع التغيير الاجتماعي البناء والذي يؤدي الى بناء مجتمعات اكثر انتاجية وأكثر قدرةً على تحديد أسباب الاختلالات التي نعاني منها والاهم من ذلك اكثر قدرةً علمية على الخروج بحلول منطقية وعلمية وقابلة للاستمرار والتطوير في المسقبل.
في هذا البحث الرائع والمنشور في مجلة ستانفورد العلمية تتحدث ماريسا كيمسي الباحثة في كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة هارفارد وجولي باليتالا الباحثة في تاريخ الحركات الاجتماعية عن كيفية خلق تغييرات اجتماعية كلية ضرورية والاهم من ذلك استدامتها وتحويلها الى حركات ذات اثر إيجابي ومنتج على المدى الأبعد مما يؤسس لصورة مغايرة للمجتمع بعد سنين العمل على تمكين التغيير الصحيح، وايضاً يساهم في خلق ثقافة جديدة انتاجية وواعية لدى المجتمع بشكل كلي. في هذه الدراسة كان التركيز على أهمية وجود قيادات مجتمعية وربما سياسية واقتصادية والاهم قيادات مفكرة وابداعية تمتلك القدرة على اداء ثلاث مهام رئيسية اما بشكل متوازي او ربما تسلسلي احيانا وقدرة القيادات واللاعبون الرئيسيون في المجتمع أيضا على التحرك للأمام والخلف بمرونة وكفاءة عالية جدا بين تسلسل هذه المهمات وبشكل إنتاجي مفيد أيضا.
اقدم لكم قراءتي الخاصة والمختصرة لهذا البحث والذي يتشابه بشكل كبير مع فلسفتي للإصلاح الكلي:
هذه الوظائف المهمة هي وجود أشخاص قادرين على ١. الدعوة السياسية والاجتماعية وتبيان وتوضيح المشاكل التي تقف حجر عثرة امام نهوض المجتمع والمشاكل الأكثر الحاحا والمشاكل التي يعاني منها الناس وخصوصا فئة الشباب ويكمن الدور الجوهري لهذه المهمة والقيادات والأشخاص الذين يقومون بها بمحاولة خلق وعي جمعي بجذور وأسباب المشكلات روعي جمعي بماهية وطبيعة وابعاد ونتائج المشكلات القائمة والاهم خلق اجماع واتفاق بين اكبر عدد من الجمهور على صحة التشخيص اولا وعلى دقته وان يكون هذا الاتفاق والإجماع قائما على الفهم العميق وليس التلقين ودس الأفكار وهذا يتطلب قيادات اجتماعية سياسية مؤهلة بالفكر والمنهج العلمي في البحث وقادرة على الحوار وايصال الأفكار بكل اللغات التي يفهما اكبر عدد من الجمهور وبوسائل مؤثرة.
٢. لا بد في نفس الوقت من وجود أشخاص قادرين على التفكير التكاملي الذي يأخذ جذور المشكلة اولا ومن ثم نشأتها وتطورها التاريخي والظروف التي ساهمت بديمومة المشكلة وايضاً الألمام بإبعاد وجوانب المشكلة المتشابكة والمختلفة وغير المتصلة نظريا او ظاهريا ولكنها كذلك فعليا وعلميا، بمعنى القدرة على الفهم الدقيق والعلمي لكل المشاكل التي تم تشخيصها في الوظيفة رقم ١، وبنفس الأهمية لا بد ان يمتلك هؤلاء الأشخاص بالاضافة للتفكير التكاملي التفكير الابتكاري وهو القدرة على الاسترسال في الفكر البحثي عن حلول ابتكارية وابداعية وايضاً واقعية وقابلة لثلاثة أمور و هي التطبيق والاستمرار والتطوير، يقوم هؤلاء بتقديم الحلول للمشاكل التي تم تحديدها في الوظيفة رقم ١. ٣. المنظم والمخطط والمشرف الناجح على توسيع القاعدة المعرفية للجمهور الأكبر بحيثيات الوظيفتين الاولى والثانية والجذور المسببة للمشكلات بحيث يكون الجمهور واعيا لها باستمرار ويتم أيضا تحديث معرفته باستمرار ثم توعية الجمهور بالحلول التي تم تطويرها وإقناعه علميا وبشكل عميق ومؤثر وغير تقليدي بماهية واهمية هذه الحلول وطبيعتها وابعادها واهمية تبنيها وتبني النهج الذي قاد الى تطوير تلك الحلول والاهم هو تبني النهج الذي لا يؤدي لتكرار الظواهر السلبية والمشكلات والتحديات الخطيرة التي واجهت المجتمع وأدت الى نشوء حركة التغير الاجتماعي والحاجة اليها

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى