مَن قَتلكَ يا وصفي؟! / سهير جرادات

مَن قَتلكَ يا وصفي؟!

*** من قتلك يا وصفي.. قَتل فينا الأمل والرمز والقدوة ، قتل فينا الحمية والنخوة، قتل فينا كل الأشياء الجميلة .. قَاتلك اللهُ يا من قتلتَ وصفي! يوم أن قتلوك يا وصفي، قتلوا فينا المروءة والشهامة حتى وصلنا إلى يوم؛ يكَسر فيها أردنيٌّ نفسه وينحنيَ على قدم الرزاز ليُقبِّلَها مقابل دَيْن لا يتجاوز ١٨٩ دينارا !!

*** “قُومْ” يا وصفي ، أيها الزعيم والرمز الوطني الشعبي، أيها الشهيد ، يا مَن حافظت على كرامتنا : ” شوف شو صار بحالنا ، ولوين وَصَّلونا ، ولوين بِدهم يوصلونا ” .. إن من قتلك خطط لنصل إلى هذا اليوم ، وإلى هذه المرحلة التي وصلنا اليها من الاحباط، والانحطاط، حتى أصبح الوطن يضيق بنا ، وأصبح الكل منا ” قتيبة” هاجسنا الهجرة ، ويعجز اللسان عن ثني الشباب عن الهجرة ، بعد أن أصبح الوطن منفى، ونخر الفقر والبطالة شبابه ، وتزايد انتشار المخدرات بينهم ، وأصبح في متناول أيدي الشباب، الذين باتوا يعيشون في ضياع ، فأكبر احلامهم الهجرة أو الحصول على عقد عمل في الخليج !!

*** “قُومْ” يا وصفي ، وانظر كيف اغتالوا مشروعك القومي ” مجابهة العدو الصهيوني ” ، ورقة الضغط على إسرائيل ، وأنت الذي كنت تؤمن بأن المقاومة هي السبيل الوحيد لاسترجاع فلسطين ، وكنت تصف الوجود الصهيوني بـ ” السرطان “، الذي يجب استئصاله واقتلاعه من جذوره.. وكنت ترفض التسميات ” نكبة، ونكسة ” وتصر على تسميتها باسمها الصحيح ” الهزيمة” .. فلم تعد الآن “القضية الفلسطينية” هي القضية المركزية ، فقد وصل بنا الأمر؛ أن سمحنا أن يتم على ارضنا- التي كانت مركزا وانطلاقا للمقاومة- تصوير فيلم صهيوني يؤيد حق اليهود في أرض فلسطين .. بعد أن تفاخرنا بابرام اتفاقيات سلم وهمي ، وقعت باحرف من ذهب ، وخطت بكل فخار زائف!!

*** “قُومْ” يا وصفي .. يا من مُتَّ مديونا للاقراض الزراعي بنحو ثلاثة وتسعين ألف دينار، هي أثمان (بذور وديزل وإطارات تراكتور وطرمبة ومحراث)، سددها عنك الملك الراحل الحسين .. أيها الرئيس الذي لم يكن قادرا على سداد أثمان ثلاثة أعمدة لتوصيل هاتف لمنزله والبالغة ” ستة دنانير ” دفعة كاملة! ، وقسطتها على ثلاثة أشهر بواقع دينارين.. انظر كيف ينعم مسؤولونا بالخيرات والاملاك؛ لانهم فهموا أن المنصب مستوى اجتماعي تجب الاستفادة منه ، وأنت من كنت تنظر الى رئاسة الحكومة أنها تعني قيادة وإصلاحا وليس تميزا اجتماعيا !!!

*** “قُومْ” يا صاحب السر في محبة الاردنيين لك .. حتى من ولدوا بعد رحيلك بسنوات ، إلا انهم يحبونك ويعشقونك ، لأنهم وجدوا فيك الرمز الذي يفتقدونه في أيامنا هذه .. ينتمون إلى فكرك في زمن الضياع ، ويرون فيك الرمز الوطني ، لقربك من القلب ولشجاعتك ونظافة يدك ، وقيادتك لحرب ضد الفساد ،حتى حظيت بحب الشعب الأردني ، واصبحت تثير الجدل حول هذه المحبة وسرها ، وحتى بعد رحيلك فما زلت القدوة للأردنيين، تسكن قلوبهم، وتنعش بسيرتك العطرة ذاكرتهم ، ولم يتمكن أحد من بعدك أن ينازعك أو أن يحظى بما حظيت به من محبة ومكانة ، فأنت لم تترك خلفك قصورا ولا أرصدة بالملايين ولا شركات، ولم تترك إلا منزلا صغيرا وبضعة دنانير، وتبغا وجد في جيبك عند اغتيالك في القاهرة في عام 1971 اثناء مشاركتك في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك!!!

*** يا وصفي قتلتهم الغيرة منك ، حتى بعد موتك بـ 47 عاما ، لم يتمكنوا بملابسهم الوثيرة وسياراتهم الفارهة والمشاريع التي يفتتحونها أن يحظوا بجزء من شعبيتك .. ويشغل بالهم، لماذا أنت في القلب ، وهم لا ؟!!!

*** “قُومْ” يا وصفي ، وانظر كيف أُغرِق وطننا بعد رحيلك بمشاريع “إنمائية” صممت خصيصا لتجريد الأردن من عناصره الطبيعية والبشرية ، وأنت الذي كنت ترفضها لأسباب استراتيجية وتنموية ، وكيف شُقتْ الأتوسترادات العريضة لتربط المناطق الغورية بالمرتفعات الجبلية، لتنفيذ “أوتسترادات السلام” لتفكيك أفكارك، وهي مشاريع صممت جميعها لخدمة الأهداف الإسرائيلية ، حتى وصلنا الى توقيع “معاهدة وادي عربة المشؤومة عام “1994 !!!

**** “قُومْ” يا من تكنى بابي الزراعة ، انظر إلى الزراعة ومصيرها ، وأنت الذي آمنت بقدرات الوطن وأبنائه ، قم يا وصفي ، كيف أصبحت الزراعة في الاغوار تنتج على ايدي عاملة وافدة ، بعد أن هجرها ابناءها، لاعتقادهم بأنها بلا قيمة تنموية ، ولأن إنتاجنا من الخضروات يَكسبه اصحاب المزارع من المتنفذين الذين يُصدرون منتجاتهم الزراعية الى الخارج ، وازيدك من الشعر بيتا ، فهم يسعون الى إنشاء مطار لتصدير منتجات مزارعهم .. أأأأخ ” يا وصفي لم يعد نعنع معان الذي كنت تتغنى به فواحا “!!!

*** أيها الزعيم المستقل على المستوى الوطني، يا من جئت إلى الرئاسة من خارج نادي الحكم التقليدي شبه الإقطاعي .. يا من حظيت بشعبية متناهية بين العشائر وافراد الجيش ، بعد أن أصبحت أكثر بكثير من رئيس وزراء ، يا من لم تكن مُلكا لعائلة واحدة ، إنما مُلك للأردن ولكل الأردنيين ، ايها القامة السياسية العربية والوطنية التي فرضت حضورها على الصعيد المحلي والعربي وفي قلوب المواطنين، دعني أقول لك من حقك أن تعرف : أن حالنا لم يعد يبشر بالخير!!!!

*** وصفي (أبو مصطفى) دعني أُشيع لك سرا ، أخشى أن تسمعني رغم أنني أتمنى أن تسمعني .. وأخشى لو قمت من قبرك أن تسألني عن أوضاع الوطن !، وما حل به ، لأني سأخجل أن اجيبك ، خشية من نظراتك ، حتى بعد رحيلك ، وانت في قبرك !!!!

*** “قُومْ” يا وصفي”… “قُومْ”..”هالنومة مش الك .. يا بتقوم ، يا بتوسع قبرك كما كان صدرك يتسع لجميع الاردنيين” ، فقد ضاقت علينا أرض الوطن بعد أن ضيق علينا الفسادُ ، ويِيعت مقدرات الوطن ، وانتشر الظلم واتسعت رقعة الواسطة والمحسوبية ، وضاعت حقوق العباد” . “قُومْ” يا سيد النشامى .. “يا بتقوم يا بنيجي لعندك”!!!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى