من نحن في عيونهم 1 / د . محمد شواقفة

” من نحن في عيونهم 1 ”

لكي لا أبدو فعلا متحيزا و ربما يصفني البعض بالعنصري … كوني فعلا كذلك … فسأختصر طرحي بأنني: ربما أكون كذلك بلا شك.
في أواسط الألفينيات و لا اذكر التاريخ بالضبط و عندما كنت طالبا في جامعة ايوا … كنت ناشطا فاعلا في مبادرات الجامعة لتقريب وجهات النظر و ربما لنشر مزيد من محاولات التفاهم في ظلال ما بعد احداث سبتمبر…. شاركت كمتحدث بصفتي الشخصية في اكثر من مناسبة … و ساشارككم تباعا اكثر من قصة لا تخلو من الطرافة و الغرابة احيانا …
كانت محاضرتي موجهة لطلاب الصف الثامن في احد المدارس القريبة و كان الموضوع الاساسي الحديث عن من نحن ؟… و للامانة كان الموضوع مفتوحا لخيالي …. و فعلا بذلت جهدا كبيرا للتحضير لهذه المحاضرة …اولا لان جمهوري طلاب مدارس و ثانيا لانني متأكد ان هناك تساؤلات كثيرة قد لا تسعفني خبرتي و خلفيتي الثقافية بتغطيتها بالشكل الوافي … و خصوصا فيما يتعلق بالدين …
قررت أن أمارس طريقة جديدة في الحوار و هي بأن أجعل الطلاب طرفا في الحوار …. و قد طلبت من كل طالب مسبقا ان يكتب سؤال واحد عما يريد معرفته و أن يحاول البحث عن جواب بالطرق الاعتيادية …. و بدوري جمعت العديد من الصور من الاردن شملت العديد من مناحي الحياة … اللباس .. الاكل … المناطق الاثرية ..و الالات الموسيقية ….. و الناس.
بدأت المحاضرة بعرض الصور و طرح سؤال … كانت صورتي الاولى لجموع من المواطنين في وسط البلد يسيرون بشكل اعتيادي …. كان في الصورة – قصدا- رجل يلبس بدلة رسمية و يعتمر شماغا احمرا … و سيدة ترتدي جلبابا و اخرى بدون حجاب و شاب يرتدي الجينز … و غيرهم الكثير … و سألتهم من تعتقدون أنه الاردني من بين هؤلاء جميعا ؟… كان الجواب في غالبيته: الفتاة المحجبة او الرجل الذي يرتدي شماغا ….
صورتي الثانية كانت للملح المتراكم على ضفاف البحر الميت … و كان سؤالي: ماذا تعتقدون هذه الصورة ؟ … و كانت الاجابات حصريا بأنها كتل جليدية في القطب الشمالي ….
صورتي الثالثة كانت لمجموعة حيوانات من البيئة الاردنية ( خروف، بقرة ، جمل) … و كان سؤالي: أي الحيوانات اكثر شيوعا في الاردن ؟… و كان الجواب بشبه اجماع انه الجمل.
صورتي الرابعة كانت لاحد ابناء البتراء الذين يعملون كمرشدين سياحيين …. و لكنه كان يعتمر شماغا احمرا و هو متلثم به..فلا ترى سوى عينيه …. و كانت اجابات الطلبة صادمة … عندما اجابوا بالاجماع بأن هذه صورة : ارهابي !!!!
طبعا … لم يكن سهلا جدا ان تكون في موقف الدفاع و الاقناع …. لكن عرفت ان هناك تقصير واضح من جهتنا …لاننا فعلا لا نقدم انفسنا بطريقة لائقة … و كثير منهم لا يعرفون عنا أي شئ …
اشارككم بعض الاجابات الطريفة و لكنها محزنة و صادمة …
كثير من الطلاب لم يعرفوا اين تقع الاردن على الخريطة بيننا غالبيتهم عرفوا اين تقع دولة الكيان الغاصب …. اطرف اجابة : ان هناك بلدة في ولاية يوتا الامريكية اسمها الاردن !!!
كثير من الطلاب …اعتقد اننا شعب نعيش في الصحراء و لا نزال نستخدم الجمال في التنقل …. استغربوا جدا عندما اخبرتهم انني رأيت الجمل شخصيا لأول مرة في حياتي في حديقة الحيوانات القريبة ….
عدد لا بأس به اعتقد ان ما تلبسه المرأة في بلادنا احد اشكال القهر و العنف …. و استغربوا ان الرجال في بلادنا يلبسون غطاء للرأس أيضا ….
كان حوارا شيقا جدا … تكتشف فيه كم نحن بعيدون عنهم و كم هم مختلفون عنا …. بعشوائية مطلقة اكتشفت بعض الصور النمطية عن مجتمعاتنا في عيونهم …. و للاسف في غالبيتها خاطئة و غير صحيحة ….
كانت مفاجئة من عيار ثقيل عندما اخبرتهم ان هناك مسيحيون في الاردن لا يكاد يميزهم احد ..لهم طقوسهم و اعيادهم و لهم كنائسهم … و لا افضلية لاي كان على الآخر…. اكثرهم لم يصدقني !!
قبل ان اغادر المحاضرة … سألتهم : لماذا لم تخافوا مني … هل تعلمون ماذا احمل في حقيبتي هذه ….؟! …للحظة ساد صمت رهيب قبل ان يدركوا انني امزح …. لكنهم لم يضحكوا أبدا !!!
يتبع …
” دبوس على الأبيض ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى