من دفاتر معلمة / خلود المومني

من دفاتر معلمة

( هذا إرثنا !!!)

ما إن دخلت الباب الزجاج في مدخل مستشفى الملك المؤسس، وسرت خطوات نحو مكان تثبيت المواعيد….حتى تبعني صوتها : مس خلود….مس خلود….هذا الصوت أعرفه…التفت لأنظر تجاه الصوت ورأيتها….بمريول أبيض…..ووجه ملائكي القسمات.. احتضنتها…لقاء يمتلىء شوقاً ولهفة برؤية عزيز غائب…نظرت في عينيها وذلك البريق الذي أعرفه ازداد لمعانا وتوهجا..ليعيدني بريق عينيها بذاكرتي إلى أول استجواب حصلت عليه من إدارتي بسبب مخالفة التعليمات الإدارية بسببها — ولست نادمة عليه _ : أرجو إجابتي عن سبب عدم تقديمك لإمتحان لطالبة ليست متغيبة ولا يوجد عذر طبي مقبول لتأجيل الإمتحان.
خالفت القانون؟؟؟ نعم…لماذا؟؟ استقبلتني يومها وأنا متجهة لغرفة الصف لتقول لي : لم أستطع الدراسة مس لا أستطيع تقديم الإمتحان……لماذا لم تدرسي امتحانك حبيبتي؟؟ زوجة أبي قطعت الكهرباء عن المنزل كله لأنها طلبت مني إتمام اعمالي المنزليه وأخبرتها بأن لدي امتحان…ولم تعفني من مهماتي.
قلت لها: حبيبتي، الهدف من الإمتحان أن تكوني قد درست جيداً كي تضعي يدك على نقاط انت أغفلتها استعدادا للإمتحان الوزاري.. علامتك تهمك أنت..وليس أنا …عندما تكوني مستعدة تعالي إلي وسأجهز لك أسئلتك وتقدمي امتحانك.
ثم تذكرت الاستجواب الثاني بسببها أيضاً : أرجو إجابتي عن سبب اعطائك ورقة الإمتحان النهائي للطالبة….. وهذا مخالف لقوانين المدرسة.؟؟!!!.
لماذا أحتفظ بها؟؟!! أليس الهدف من الإمتحان ان تعرف الطالبة نقاطا أغفلتها وتعود لتدرسها؟؟!! فهي تستعد لإمتحان وزاري. وعليها أن تعرف أنها على الطريق الصحيح في استعدادها…… وتعبي في التصحيح لماذا يذهب هدرا؟؟!!.. فقد كنت أعيد كتابة موضوع التعبير مرة أخرى لأعلم الطالبة كيف تتميز في موضوعها.
ويبدو أن الإدارة كانت تراقب هذه الطالبة فقط لأنها حصلت على توصية كبيرة من زوجة أبيها ولم يصلها أني أعدت الأوراق لجميع الطالبات سرا….فضلت وجود الأوراق النهائية بين أيديهن ويستفدن منها على أن تأكلها فئران المستودع….وعدت إليها وسألتها : ماذا تفعلين هنا؟؟ مس انا طبيبة أعمل في قسم الطوارئ.. عندما رأيتك كنت قد أكملت عملي وفي طريق المغادرة وحظي اليوم جميل برؤيتك….بل أنا حظي أجمل برؤيتك… يا إلهي.. كل ماعانته من معاملة سيئة وفقدان والدتها واستطاعت ان تصنع من نفسها مستقبلاً جميلاً… استطاعت ان تكون!!!!!! …حقا كانت تستحق مئة استجواب من أجلها….رافقتني في رحلتي داخل المستشفى منذ أول خطوة إلى أن خرجت من ذلك الباب الزجاجي الذي دخلته…كنت أشعر السعادة حتى في خطواتها وهي معي..ونظراتها تلك التي ودعتني بها…لا يختلف إثنان بأنها تكن لي حبا وتقديرا كبيراً…تذكرت أني قبل فترة قصيرة زرت صالونا للسيدات..لتستقبلني صاحبته بمنتهى الترحاب والحب…واللهفة..وكأنني سقطت عليها من السماء. ورفضت تماما أخذ حسابها..قالت: أنت معلمتي التي لن أنساها ابدأ..لك علي الكثير معلمتي.
أثناء عودتي أسندت رأسي الذي أتعبه التجوال بين أروقة المستشفى.. وقلت في نفسي: هذا هو الإرث الذي نحصل عليه بعد عناء…هذا هو الإرث الذي نحمله معنا إلى شيخوختنا.موقعهم…… علمهم………. حبهم لنا…….تقديرهم…..نجاحهم في حياتهم…. حبنا هو غرسنا. وهذا اللقاء هو حصادنا….. هذا إرثنا.!!!.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى