من دفاتر معلمة … اضربيني!!! / خلود المومني

من دفاتر معلمة … اضربيني!!!

نحيطهم برعياتنا ونمنحهم حبنا واهتمامنا، نرتجف عليهم من نسمة الهواء العابرة…نكرس كل وقتنا لهم وبهم…. لنكتشف في النهاية أننا ما كنا إلا السجان.. والحبل الذي يلتف حول أعناقهم ليختنقوا به..وصدق الشاعر حطان بن المعلى عندما قال:
إنما أولادنا بيننا // أكبادنا تمشي على الأرض.
لو هبت الريح على بعضهم // لامتنعت عيني عن الغمض.
في سنتي الأولى خبرة في تدريس الذكور، كانت مع الصف الرابع الأساسي…فئة عمرية جميلة…من السهل استيعابها والسيطرة عليها وتعليمها كل ما نريد…في هذا العمر يغترفون العلم بنهم وشراسة.
في أسبوعي الأول ونحن نختبر بعضنا..هم يختبروني وأنا أختبرهم…دائماً كنت حريصة ان لا ينتهي الأسبوع الأول الا وقد حفظت اسماءهم جميعاً ؛ فمن أسوأ ما يمر به الطالب أن ينتهي العام واسمه ما زال مجهولا بالنسبة للمعلم..قدر كبير من التعزيز يأخذه الطالب عندما يوجه إليه السؤال باسمه وليس بأي مسمى آخر..وهذا ما كان..حفظت اسمه من اللحظة الأولى..طفل ليس كمثله أحد..حاد الذكاء..لماح…سريع البديهة…متميز…خطه جميل جدا..وحرصه على ان يكون دفتره نظيفا ومرتبا كان يحتاج وقتا طويلا للنقل عن السبورة…جميل المظهر والمعشر.. خفيف الظل…تلك اللهجة الكركيه المميزة أكثر مايلفت النظر في زمن تخلى الجميع عن لهجتهم وأصولهم.
في يوم محوت السبورة ولم يكن قد أكمل النقل عنها…خرج إلي عند السبورة مهددا متوعدا: علامكي انت ماتصدقي إلا وتمسحي اللوح مكيفه عحالكي خلينا نعرف نكتب….كثيرا ما كاد يخرجني عن السيطرة ولكن أعد معه للمئه…فقد كان دائماً يستفزني مع سبق الإصرار والترصد…وفي موقف مماثل أطلق كلمة نابية جدا مسبة علي…صمت قليلاً وكأني لم أسمع شيئاً…هذا الموقف كان يجب ان اتجاهله لأحصره في مكانه ولا حاجة لأن يكبر…وساتحدث إليه على إنفراد فيما بعد. هب طلاب صفه هبة واحده…مس سب عليك..قلت: لم أسمع شيئاً…لم يسب أو يشتم.
صدمت عندما وقف ونظر الي تللك النظرة التي تقول: تصرفك خارج توقعاتي وقال: لا سبيتكي…اضربيني.
صدمت انا من موقفه…يعترف…ويرجوني أن اضربه.
لم اسمعك وأكملت درسي واستدعيته بعد الحصة في حديث ودي…خرجت منه بسبب كل ما كان يقوم به من أذى زملائه و كل المواقف الاستفزازية التي كان يضعني فيها واتجاوزها..فقد سبق وعاهدت نفسي ان لا أسمح لطالب بعد تلك القصة أن يستفزني… سألته أسئلة عامة وخاصة…عندما تخطيء في البيت هل تعاقب؟؟ أجاب نعم وأضرب كمان…لكن بعد هيك بجيبولي هدية كويسه.
ربما وصلتم معي إلى مربط الفرس….نحب أبناءنا ونريد تربيتهم….نفقد اعصابنا ونضربهم….نندم بعد ذلك ونحاول الإعتذار منهم..نحضر لهم ما يتمنون حتى لو خارج نطاق قدرتنا كي يسامحونا…..هم أذكى منا يعرفون انهم نقطة ضعفنا.. يستغلونها في مصلحتهم..يوصلونا إلى مرحلة القيام بما نندم عليه…ويحصلون على ما يريدون.
عندما كان ابني صغيرا طلب مني الذهاب في رحلة مدرسية..رفضت بشده لأنها إلى البتراء…بعيده وخطره…طلب ابداء الأسباب. قلت له : بحبك وبخاف عليك… أجابني الإجابة التي غيرت مسار تفكيري وحياتي بعدها : بعرف إنك بتحبيني بس لا تخنقيني بحبك.
وصلت الرسالة أعزائي القراء؟؟؟؟
ومن الحب ما قتل.
ملاحظة.: لا أتذكر في حياتي أني ضربت ابنا لي على مستوى صفعه…اتوقع المجتمع يراهم مربيين جيداً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى