مقولة أوبيتو .. / خالد عمر المومني

مقولة أوبيتو ..

كنت داخلاً الى المنزل من المدرسة و أمسك ب هاتفي أشاهد “الإنمي” طول الطريق
لقد شدني هذا المشهد كثيراً حتى أني قمت بإعادته عشرات المرات .. عندما قال أوبيتو لصديقه “في عالم الشينوبي من يخالف القوانين يعتبر حثالة و لكن من يتخلى عن أصدقاءه أدنى من الحثالة” لقد أثرت فيني هذه الجملة كثيرا .. و ما تحمله من فلسفة عميقة ..
خلدت إلى النوم بعد يومٍ آخر متعب ..
استيقظت بعد أربع ساعات على صوت أمي و هي تبكي و تنوح في المنزل .. و لم أكن أعرف في وقتها أن هذه آخر أربع ساعات راحةٍ في حياتي ..
سألتها بذهول “شو في؟” .. فقالت أن أمها و أبيها و أختها قد قتلوا دفعة واحدة في قذيفة طائشة ..
لم أحزن كثيرا إلا على خالتي التي وهبت حياتها بالإعتناء بأبويها للأسف لم يسعها الوقت لترى شيئاً من الحياة ..
كانت تلك الفترة هي بداية تفشي و استفحال الأزمة السورية ..
لم نقدر حتى اليوم التالي من أن نأتي للدفن بسبب صعوبة الوضع ..
تلت تلك الليلة عدة شهور .. إنقطعت فيها الكهرباء اولاً ثم الغذاء و الماء ..
و أخيرا إنقطع الأمن ..
حدث ذلك لأول مرة عندما كنت أدخن سيجارتي مع كاسة شاي من بقايا الحثل .. و رأيت رجلاً ب لحية ينتطي صهوة “البكم” و يحمل بيده سلاحاً ثقيلا و ينادي على مكبر الصوت .. “الدولة الإسلامية باقية و تتمدد .. الله أكبر .. الله أكبر”
في المساء بدأ أبي بتجهيز أغراضه و أمرنا جميعاً بأن نحمل ما هو مهم فقط .. كنا أنا و أختي معارضين في البداية .. كيف نترك بيتنا و بلدنا و نهرب .. لم يكن أبي في مزاج جيد للنقاش .. ف ضربني و أمرني بالتنفيذ دون نقاش .. لاحقاً إكتشفت أن الخوف الذي كان يسيطر على أبي مُبَرر .. كان أبي ضابطاً متقاعداً في الجيش السوري .. و كان له فيما سبق علاقات جيدة مع الكثير من الضباط العلويين و أصحاب النفوذ ..
النقمة أن الجميع كان يعرف ذلك ..
هربنا من بيتنا و حينا و مدينتنا مع دار أبو إسماعيل و ابن عمي صخر .. طوال الطريق كنت أنظر للوراء و شيئٌ في داخلي يتكسر في كل متر .. كيف لقهر الأيام و الأقدار أن تبعدك عن ما تحب .. لم أكن أريد سوى أن أصبح بحاراً و أتزوج بنت ابو سلمى التي أحببتها في الصف الثالث و أسافر معها إلى سيريلانكا التي كانت تضحك كلما أرادت نطقها ..
وصلنا الى حدود تركيا .. لكي نصل إلى أي دولة أوروبية كما خطط أبي ..
لم يسمحوا لنا بالدخول من المعبر .. لم تكن الموافقة الرئاسية لقبول المزيد من اللاجئين قد وصلت بعد ..
ف أُجبرنا على المبيت في السيارة و على قارعة الطريق .. في إنتظار فرج قريب
في المساء كان الجو بارداً جداً و لم يكن هناك أي وسيلة تدفئة أو راحة .. لكن التعب كان قد نال منا و نمنا بجانب بعضنا كل واحد فينا يدفئ الآخر ..
فتحت عيني على ضوء سيارة و صوت حديث قوي اللهجة
تمالكت نفسي .. رأيت أبي مع إسماعيل و صخر يتحدثان مع مجموعة من رجال اللحية ذوي الأسلحة الثقيلة ..
بقيت أنظر من النافذة .. منتظراً أن ينتهي هذا المشهد
و فعلاً إنتهى بطلقة في رأس أبي .. و أبو إسماعيل الذي كان ذاهباً لقضاء حاجته على ما اظن في تلك اللحظة و من قتله كان إبن عمي صخر .. يبدو أنه منهم و قد وشى ب مكان أبي عندما كنا نائمين .. كنت دائماً أكرهه و أسميه بإبن الخنزيرة // في هذه اللحظة كان علي تمالك الموقف و إنقاذ عائلتي و عائلة ابو اسماعيل شغلت الباص سريعاً و إنطلقت بأقصى سرعة .. كان إسماعيل يركض هرباً منهم بالإتجاه المعاكس الذي هربت أنا منه ..
في لحظتها تذكرت ما قال أوبيتو و تذكرت حلمي بأن أصبح بطلاً للعدالة .. ف غيرت طريقي و ذهبت نحو إسماعيل لكي أنقذه .. مع أن الرصاص كان قد إخترق الباص و النوافذ لكني نجحت في إنقاذه دون تأذي أحد في ساعة مغفرة و رحمة ربانية ..
عندما صعد إسماعيل الى الباص .. اول شيء نطق به .. ليس تعليقه على مقتل والده أو أبي .. بل بكل بساطة قال .. “لماذا فعلت ذلك؟” .. أجبته “في عالم الشينوبي من يخالف القوانين يعتبر حثالة لكن من يتخلى عن أصدقاءه أدنى من الحثالة” .. ف سكتَ و سكتُ لكن باقي الباص لم يسكت .. بقي البكاء و الشهيق يصدح حتى أسمع ملائكة السماء ..
في الصباح التالي .. سمحت تركيا مجدداً بقبول اللاجئين ..
من تركيا ذهبنا إلى بلغاريا .. عشت انا و إسماعيل و عائلاتنا في بيت واحد هناك ..
لم يدم الأمر طويلاً حتى استأجرنا محلاً صغير فتحنا فيه شاورما و فلافل .. كان الإقبال كبيراً جداً .. أعدنا نعيم أبي و أبوه فترة من الزمن ..
في إحدى الليالي الدافئة .. ذهب إسماعيل مبكراً إلى البيت لكي يحضر حفلة عيد ميلاد أخيه الصغير ..
ثم أتى رجل مترنح يبدو سكراناً إلى المحل .. تصادمت معه بالكلام و أخرج مسدسه .. في لحظتها نهض بطل العدالة داخلي مرة اخرى .. و هجمت عليه .. أخذت المسدس منه و أعميته ضرباً و تركته بالشارع ..
رجعت للمنزل و أنا فخور بما فعلت .. و أقول في نفسي .. لو كنت موجوداً يا أبي لكنت فخوراً بي .. و لغيرت نظرتك التي لم تتغير بأني ضعيف ..
في الصباح قبلت يد أمي و حضّرت الفطور لأختي و سلمت على الحجة أم إسماعيل و خرجت ب ثقة لم أعهدها من قبل ..
نظرت إلى السماء كم هي جميلة و كيف ان الله يخلق الفرح من قلب المعاناة .. و إذ بلحظة سواد غطت أعيني .. يبدو أنه كيس ..
أحسست ب كثير من الضربات في قليل من الوقت .. لم أرى شيئاً و لم أستطع حمل نفسي .. وضعوني بالسيارة ..
كشفوا عن وجهي في غرفة تشبه المخزن .. كرسي خشب و أطرافي مربوطة به .. و الكثير من الأشخاص يحومون حولي .. و يقومون بتوجيه الضربات مع ضحكات و تسلية ..
نظرت جيداً فوجدت الرجل الذي ضربته بالأمس .. فهمت في لحظتها ما يحصل .. يبدو أني ضربت رجل عصابة و قد أتى للإنتقام ..
بعد ساعات من التعذيب .. خيروني بين أمرين
إما الإنضمام إليهم أو أن يقتلوا عائلتي
فإخترت أن أنضم لهم دون تردد و كانت من شروط الإنضمام أن أنسى هويتي السابقة بما في ذلك علاقاتي و اصدقائي و أهلي و حتى إسمي .. طلبت منهم طلباً أخيراً
بأن أبعث رسالة لأمي لكي لا تبقى الحسرة في قلبها أبد الآبدين و تظن أني تركتهم و هربت ..
بعثت لها برسالة شرحت لها كل شيء .. و ذهبت معهم ..
بعد عدة أسابيع في محل إقامتي الجديد في هنغاريا .. هجم رجل مسلح على المقر قام بإصابة العديد من الرجال .. لكنهم أمسكوه في النهاية ..
عندما ذهبت لرؤيته .. كانت صدمة عندما رأيت اسماعيل ..
عم السكوت لدقائق .. و قلت له ..
لماذا فعلت ذلك ؟
قال لي “في عالم الشينوبي من يخالف القوانين يعتبر حثالة أما من يتخلى عن أصدقاءه يعتبر أدنى من الحثالة”
أمرني الرئيس بقتله و إلا ذهبوا لقتل عائلتي و عائلته ..
فأمسكت المسدس و أطلقت برأسه ..
إسماعيل .. لا يمكنك إنقاذ الجميع .. إن أنقذت أحداً فهذا يعني أنه لن يتاح لك الوقت لإنقاذ آخر ..
أرجو أنك فهمت .. مقولة أوبيتو ليست دائماً صحيحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى