“مغلق لاشعار آخر” / د . محمد شواقفة

“مغلق لاشعار آخر”

لا تكتب اي تعليق …. الوضع ملتهب و العيون مفتوحة …. و كل كلمة تكتبها مراقبة ….. ترتجف يداه و يتملكه الخوف فهو فعلا لم يقترف اي جريمة …. هو يكتب ما يجول في خاطره عن ظواهر اجتماعية و لربما احيانا تكون لها اسقاطات تنتقد اداء الحكومات المتتالية… لكنه ليس سياسيا و لا مصلحا اجتماعيا …. ليس عنده الكثير من المتابعين و لا يكتب كثيرا لأنه مشغول بشؤون حياته ….. هو انسان عادي و ليس عنده صفات اضافية تميزه عن غيره ….
صديقه الكاتب البارع يعلن انه سيعتزل الكتابة و قد بدأ فعلا بالبحث عن مشروع اكثر جدوى …. لم يفصح له بعد عن ماهية مشروعه …. و لكن لمعرفته به و يقينه من امكانياته في مجال التجارة …. فقد ساوره القلق بشأن مصير صديقه الكاتب مع انه اكد له مرارا ان دراسات الجدوى مضمونة بنسبة عالية تكاد تكون محققة ….
صديقه الهاوي المحترف …. يلغي حسابه من صفحات التواصل الاجتماعي و يغير رقم هاتفه و يختفي من شاشة الرادار دونما سابق انذار …. لكنه رغم قلقه عليه …يعرف انه لديه وظيفة ثابته و عنده دخل ثابت و لم تكن كتاباته الا تنفيسا و محاولات لتنبيه المجتمع لبعض الظواهر السلبية …. و لقناعته ان كل ذلك لم يبدو مجديا….
بدأ صندوق الرسائل خاصته يمتلئ بالرسائل من اصدقائه و بعض من اناس يجهلهم ….. بعضهم يزجي له النصح بان يصمت و ان لا يتكلم …. فالوضع لم يعد يحتمل …..و بعضهم يحاول اقناعه بان ما يفعله هو ذر للرماد في العيون و لا طائل منه …. و هو في غنى عن مشاكل لا يمكن له توقعها و لربما لا يمكنه تحمل عواقبها …..فهواياته منذ كان صغيرا ….لم يتبق منها غير الكتابة …. و لو بقلم مكسور ….
بت اشعر بالوحدة و انا ارى رفاقي على صفحات التواصل يترجلون و يرحلون و احيانا دونما وداع …. و رحت ارى تغيرا في الوان بعض الكتاب الذين تمترسوا وراء افكارهم و اقلامهم و لكنهم بدأوا يكتبون في الفن و اهله و بعضهم قرر ان يجرب حظه في بعض من نثر الشعر …. احدهم كتب عن احرف الجر و اهميتها في الحفاظ على هيبة اللغة العربية …. و احدهم اكتشف ميوله الطبية مع انه لم يتجاوز الثانوية الا بشق الانفس …. و راح يتحف اصدقاءه و متابعيه بوصفاته التي كادت ان تتسبب في كساد سوق اطباء الباطنية ….. و آخرهم و ربما ليس كذلك فقد اختط طريقه بين الكتابة عن شؤون المرأة و احيانا عن الابراج …..
راح يجمع اوراقه و بعضا من بقايا اقلام و يغلفها بعناية في صندوق صغير عليه قفل بدون مفاتيح و قرر ان يعتزل الكتابة و لربما لا …. فلا أحد فعلا يكترث….. و قرر انه سيعلن ذلك في الصباح الباكر … في احتفالية ختامية مهيبة …. لربما لن
يلحظها احد ايضا ….استيقظ من نومه …لم يجد الصندوق …. جن جنونه …. و راح يبحث هنا و هناك …. سمع صوت هدير محرك شاحنة النفايات تغادر المكان ….. و نظر بذهول و اذا بأمه تقف بجوار الباب تبتسم له دون ان تنبس ببنت شفه ….
“دبوس عالكتابة في زمن الخوف ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى