مصلح إجتماعي … / الهام التوتنجي

مصلح إجتماعي

اصطحب الجد الجدة وزوجة ابنه وطفلها الصغير ذو الأربع سنوات لقضاء مصلحة في احدى الدوائر الرسمية وفيما هم بالإنتظار اذ بالطفل يعبث بالمكان ويثير شيئا من الفوضى والصخب مما أثار استياء الجد فحاول ايقافه عن العبث باللين دون جدوى حتى أضطر لإستخدام الشدة في النبرة والحركة لإرغامه على الإستجابه للطلب والكف عن اللهو وإثارة الضجيج في المكان ..في تلك اللحظة ظهرت سيدة أنيقة الهندام منفوشة الشعر بدت منفعلة بعصبية زائدة ووجهت سهام انتقادها اللاذع نحو مسامع الجد ونظرها الثاقب يكاد يخترق سمات الوقار في الرجل العجوز ليخرجه عن حِلمه وهو يتسَّمع لعبارات التأنيب والوعيد والوصم بنعوت تندرج تحت بند تخلف ومتخلفين على ما رأت بأم عينيها ما نال الصغير دون مبرر من وجهة نظرها الثاقبة ..مرددة على مسامعه بشيء من الاستهجان انك لو كنت في إحدى بلاد الله التي عاشت فيها مدة لكانت شكوى قد سبقتك للمعنيين تضمن حق هذا الطفل ضد العنف الذي ناله . وفِي محاولة منه لتهدئة تلك المنفعلة رفع يديه نحو رأسه وشخص ببصره نحو عينيها لكنه لم يستطع ان يوقف صراخها المتعالي عليه فلملم بقايا كرامته وأنسل خارجا من المكان لتكمل هي موشح الإصلاح …
يا للرجل المسكين إغرورقت عيناه بالدمع ليس من كلام السيدة ذات الشعر المنفوش إنما من تدخلها دون ملاحظة حيثيات الموقف أو حتى الاستماع له وهو يحاول توضيح ما التبس على سيدة الشعر المنفوش …
مما لا شك فيه أن استخدام العنف بكل أشكاله اللفظي أو المعنوي مرفوض شكلا ومضمونًا رغم ان بعض المواقف تضطر الأبوين – والجد أب بلا شك – او حتى المربين لإستخدام نوع من العنف عند الإضطرار بحق الطفل او اليافع عند عدم الإستجابة لطرق تبعد عن العنف وتقترب من اللين لتقويم السلوكات غير المرغوبة ولكن ما لفت انتباهي حقا في هكذا موقف هو كم العنف اللفظي الذي استخدمته سيدة الشعر المنفوش في محاولتها لتقويم ما إعتقدت أنه سلوك شائن متعمد ضد طفل صغير يستوجب شكوى ضد مرتكبه .فيما كان بإمكانها التلطف مع الجد وخفض الصوت دون مستوى الصراخ والتوبيخ لتحصل على مساحة استماع تيسر لها عنده قبول النصيحةوايصال هدفها في تقويم السلوك موضوع الإصلاح .
انه لمن الشائن بحق العين المنتقدة لسلوكات تستفز ذائقة الحضارة والتحضر لدى البعض بينما هي عينها تستخدم أكثر الأساليب بعدا عن التحضر من تحقير للفاعل لا للفعل واستفزاز لكرامة الفاعل أمام الحشد المتواجد وحمله على إغلاق نوافذ العقل لتقبل النقد ،وحرمانه من فرصة ومهلة ليستقيم لديه ميزان العقل عند حد مراجعة النفس واستبيان الصواب .
إننا حين نحاول الإرتقاء لمستوى متحضر وراقي في نقد وتقويم سلوكات الأفراد والجماعات لنوصلها لمستوى من الإنسانية المرجوة علينا أن ننتقي أساليبنا اولا ..
النصيحة في الجمع فضيحة.. وانتقاد الفعل وليس الفاعل ..وعبارات التأنيب والتوبيخ كلها أساليب تسد مجرى الاستماع والفهم ومراجعة الذات .
ومن أراد الارتقاء لمستوى الإصلاح عليه التزام الرقي في سبل الوصول لا ان ننهى عن الخلق ونأتي بمثله فالعار يطال حينها مُدَّعي الإصلاح وطالبي الإرتقاء .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى