مشكلة العنف المجتمعي – 1/ د. هاشم غرايبه

مشكلة العنف المجتمعي – 1

النفس البشرية تميل الى الوداعة والتعاون مع الغير، فالإنسان مدني بطبعه وليس عدوانيا تجاه الآخرين، والميل الى العنف الفردي حالة غير أصيلة ، قد يحدث نزاع بين فردين ناجم عن اختلاف على حقوق، لكن أن يكون النزاع مع المجتمع أو أن يأخذ سمة عامة، لدرجة أن يصبح ظاهرة، عندها يسمى عنفا مجتمعيا.
القضية دائما مربوطة بوجود مشكلات مؤجل حلها، لذا فإن المسؤولية الكاملة تقع على النظام السياسي في درء تفاقم المشكلات وحل القائم منها بحكمة وعدالة، وعندما يكون فاشلا أو مقصرا، يرمي السبب على المجتمع وطبيعة الناس، ويلجأ الى الحلول الترقيعية بتشكيل هيئات مجتمعية للوعظ والإرشاد غير المجدي.
سأعرض تاليا أكثر المشكلات التي يعاني منها أفراد أو فئات مجتمعية والتي تولد الشعور بالظلم، وبالتالي فهي وقود رد الفعل العنيف:
1 – التمييز بين الناس في نيل المكاسب، بانتهاج المحسوبية والواسطة والرشوة وشراء الولاء للنظام، وأبرز تطبيق عليها (أردنياً)هي المكرمات.
2 – المحاباة في تقديم الخدمات بين المناطق ، فتنال العاصمة الحظوة والأفضلية على مناطق الأطراف، كما يحدث ذلك داخل المدينة الواحدة، فتنال الأحياء التي يقطن بها المقربون من النظام خدمات مميزة.
3 – الإستثناءات في التفلت من حكم القانون، فلا يخضع له إلا من لا سند له ولا ظهر يحميه.
4 – انتشار الفساد وعدم محاسبة الفاسدين او استعادة ما نهبوه، كونهم من محاسيب النظام أو شركائه.
5 – تزايد البطالة وقلة فرص العمل وتخلى السلطة عن دورها في توفير العمل للمواطنين.
6 – انتشار وتعمق جيوب الفقر والعوز وتآكل مداخيل الطبقة الوسطى، وتحول فئات متزايدة منها الى الطبقة المسحوقة، وبالتالي التباعد أكثر فأكثر عن طبقة الأثرياء المستأثرين بوسائل الرفاهية والتنعم.
7 – تخلي السلطة عن واجبها في حل المشكلات السياسية الناجمة عن الحروب الإستعمارية واحتلال فلسطين، والمشكلات الإجتماعية الإقتصادية التي ولدتها، وترك ذلك بيد القوى المتسببة فيها.
إن واحدة فقط من المشكلات السبع الآنفة، كافية لإحداث زلزال اجتماعي مع ما يتبعه من هزات ارتدادية مدمرة، وهي ما نسميه العنف المجتمعي .
في أنظمتنا الليبرالية الحالية يتم التعامل مع تلك المشكلات كحزمة واحدة، بسبب إدراك أن السبب الأساسي هو واحد : الفشل السياسي، أي سوء الإدارة.
سبب الفشل أن الحكم في مفهومهم ليس تحملا لمسؤولية الأمانة أمام الله بل للإستئثار بالسلطة للفوز بمغانمها، فذلك يعني حُكماً منع غيرهم منها، لذا يتم اختيار المستشارين والإداريين والأدوات التنفيذية من بين أعمدة النظام وأبنائهم(المنافقين) والذين لا يتصفون عادة بالكفاءة، فتكون حلولهم للمشاكل ترقيعية لإطفاء الحرائق وليست جذرية بدرء وقوعها.
من هنا ندخل الى ما سيقدمه الحكم بمنهج إسلامي كبديل
إنه سيقدم تغييرا جوهريا في المخرجات ، فالنظام الليبرالي يعتمد في ضبط اخلاص الحاكم لواجباته وضمان عدم انحرافه نوعين من الرقابة: التشريعية من قبل ممثلي الشعب، والرأي العام الذي تمثله الصحافة ووسائل الإعلام.
هاتان الوسيلتان ثبت فشلهما في تحقيق المبتغى بسبب :
1 – ضعف تمثيل الرقابة البرلمانية لمصالح الأغلبية، حيث أنه في التطبيق الواقعي فإن غالبية النواب تكون من طبقة رجال الأعمال والمقربين من النظام.
2 – ليس للبرلمان التدخل باقتراح السياسات ولا الحلول، بل يقتصر على طرح الثقة للتصويت، أي بعد وقوع الفأس بالرأس، وليس مضمون تصويب القادم للوضع.
3 – يمكن للسلطة التنفيدية تزوير اتجاهات الرأي العام لأنها مسيطرة على وسائل الإعلام كافة، مما يعني تغييب هذه النافذة الرقابية.
هذه الوسائل متاحة في النظام الإسلامي وزيادة عليها فإن الإختيار للسلطتين التنفيذية والتشريعية تكون من بين من تجتمع فيهم المواصفات الدينية (الفقه والأمانة والصدق) والدنيوية ( العلم والكفاءة والخبرة).
في نظام إسلامي الرقابة الخارجية تكون للشرع وهي نصوص ثابتة مستقرة، كما أن الرقابة الداخلية الناجمة من الخوف من الله هي الوازع الأقوى.
وللموضوع بقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى