مشاهدات من روسيا / عاليه الشيشاني

مشاهدات من روسيا
(1)
شيخوخه ،، ولكن

من اكثر الامور التي قد تلفت نظر الزائر لروسيا هو ذلك الحضور الكثيف والفعّال لفئة كبار السن من الجنسين في الحياة العامه ، فمن المألوف ان تشاهد امرأة ناهزت السبعين او اكثر تصعد الى حافلة النقل العام بثقة وثبات ، او ان تشاهد رجلا مسنا يقوم بكل همة ونشاط بفتح الممرات امام المبنى الذي يعمل به والتي اغلقت بسبب تراكم الثلوج .
الشخص المسن في روسيا يبدو مستقلا معتمدا على ذاته ، لا ينتظر ان يسدي اليه الاخرون اية خدمات ، فتراهم نساءا ورجالا يروحون ويغدون في شتى الظروف الجوية يبتاعون مستلزماتهم ويقضـــــون مصالحهم ، والعديد منهم يعمــل لدى المؤسسات العامـه والخاصه
لسد حاجة ماديه او لملء وقت الفراغ .
تلك المشاهدات دفعتني للتساؤل عن سر هذا الحضور اللافت لفئة المسنين في الشوارع والميادين والمؤسسات ، ظننت للوهلة الاولى ان الشعب الروسي لا يصنف على انه مجتمع فتي، مما يدفع اجهزة الدولة لتوظيف كبار السن لسد النقص ، لكنني لاحقا خرجت بجملة اسباب من مشاهداتي وتتلخص في الاتي :
– وجود شبكة مواصلات ممتازه ومتنوعه مثل الحافلات التي تسير بالكهرباء وسواها من وسائط النقل المتوسطة والصغيره وباسعار رخيصه ، وعلمت انه في بعض الحالات يحصل كبار السن على حق استخدام الحافلات العموميه مجانا ، وللحافلات مواقف ثابتة لتحميل وتنزيل الركاب ، ورأيت في مرات عديده كيف ان السائق يتعمد الوقوف لبعض الوقت عند موقف التحميل حتى لو كان خاليا اذا ما شاهد شخصا مسنا يحاول اللحاق بالحافله ، وهذا للاسف على النقيض مما يجري في بلادنا في اغلب الاحوال فالمسن هو راكب غير مرغوب فيه بالنسبة لسائقي الباصات وسيارات التاكسي وكثيرا ما يتم تجاهلهم بسبب حركتهم البطيئه ، واغلب سائقي الباصات في بلادنا يسيرون على الشوارع وكأنهم في رالي سيارات .
وجود شبكة المواصلات الجيده في روسيا يعطي للمسن مجالا واسعا لحرية الحركة والتنقل دون ان ينتظر مساعدة من افراد عائلته لايصاله الى حيث يريد .
– جودة الحياة في روسيا من حيث البيئة الطبيعيه الوافرة بالاشجار والانهار وما ينتج عنها من هواء نقي تساعد المسن على البقاء في صحة جيدة حتى لو ناهز الثمانين ، كذلك اعتناء الحكومة بانشاء الحدائق العامه ، وتخصيص حدائق صغيره عند المجمعات السكنيه تمكن المسنين من قضاء اوقات ممتعة وقراءة الكتب او ممارسة رياضة المشي .
في بلادنا حيث يهتم الواحد منا كثيرا بما يمكن ان يقال عنه من قبل الاخرين ، يحاول الفرد ان يبدي قدرا كبيرا من العناية والاهتمام بالمسنين من عائلته ( اب ، ام ، جد … الخ) مدفوعا ايضا بالرغبة في التمسك بالقيم الدينيه المتمثلة بمعاني بر الوالدين والاحسان الى كبار السن ، ولكن ربما ان المبالغة في تلك العناية تدفع بالمسن الى الاعتماد بشكل كبير على من حوله في تسيير شؤونه ، ثم الاستكانة وعدم بذل مجهود بدني الى ان تتسلل الى جسمه العديد من الامراض والعلل ، فلنشجع كبار السن من الجنسين على الاقبال على تجارب جديده واختبار قدراتهم الحقيقيه والتي قد يكونون هم انفسهم يجهلون مداها .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى