مريضا لسوريا، مريضا بها …العتوم يكتب سطورا في محاولة الشفاء 2/2

مريضا لسوريا، مريضا بها …العتوم يكتب سطورا في محاولة الشفاء 2/2

د . ديمة طهبوب

*الرحمن والإبداع في التفاصيل
في روايات العتوم وتفاصيلها تجد ما فوق الثقافة والاسلوب وهو البحث عن المعلومة لتقديم الوصف الدقيق، وهذا يظهر في وصف حالة التوحد في خاوية، وهذا يدل ان الكاتب المبدع باحث مبدع ايضا، يتلبس حالات شخوصه فيعيشها من ألفها الى يائها ولو كانت حالة مرضية تلجؤه الى كتب الطب لتبين كنهها، وهذا يذكرني بما قاله العتوم مرة عن أسلوبه في الكتابة والتحضير لها، وانه يقرأ عشرات الكتب والروايات في ذات السياق، وفي هذا تأكيد للعبارة القائلة بأن العبقرية ليست إلهاما فحسب انها ١٪‏ الهام و٩٩٪‏ عرق وتعب.
هذه التفاصيل الحقيقية هي ما يفرق بين الكاتب المبدع وتجار السوق الذين يمتهنون تدبيج ذات الكلمات في قصص مختلفة حتى بات القراء يتوقعون النسق قبل القراءة، فاختفى عنصر المفاجأة وتوقع الجدة.
*كيف يشفى المرء من حب سوريا؟
في خاوية نعود الى سورية مرة اخرى اذ لا يبدو ان العتوم ينوي أن يشفى من حب سوريا والشقاء به، وهو في ذلك يذكرنا بقيس في هوى ليلى مع التصرف إذ قال:
أتوب إليك يا رحمن مما عملت
فقد تكاثرت الذنوب
فأما عن هوى سوريا وتركي
الكتابة عنها فإني لا أتوب
إلا ان ما يؤلمنا هو ثكيف حالة الالم واليأس والبثور والتشوهات، ثم ابتسار مشهد الأمل والولادة في وريقات ختامية بعد ان يكون القارئ قد أنهك من الاغراق في تفاصيل، وان كانت حقيقية، الا انه لم يدخل عالم الرواية ليقرأ ما يقرؤه ويشاهده في نشرات الاخبار!
إننا نهرب الى الأدب كي نأخذ الدواء لا كي يزيد عندنا المرض
إنا نهرب الى الأدب كي نفتح النوافذ لا كي نندفن في الملاجئ والمقابر.

*العتوم اذ يتأرجح على حد اليأس
في روايته الأولى عن سوريا «يسمعون حسيسها» كان الأمل ما زال يملؤه كما كان يملؤنا، كان يتحدث عن سيكولوجية مقاومة الألم والتعذيب والحلم بالصمود وتحقيقه والانتصار على الجلاد، ولكن لوثة الواقع وصلته كما وصلتنا فلوثت مثالية الفارس الذي لا يترجل واثخنت الجراح حتى سقط المقاتل وماتت الروح فيه قبل ان يموت الجسد.
وبقي العتوم تسيل دماء تحديه فوق سطور الرواية فلا هو مقتول بإعلان الهزيمة وفي القتل راحة ونهاية ولا هوممنون عليه وعلينا بالتوسع، الذي قد يكون مضللا في إطلاق الحياة والأمل!
ولكن هناك أسئلة لم تجب عليها الرواية وأبقتنا في فخ التعليق المربك: هل رأينا في الحروب التي صنعها الانسان حديثا أخلاقا يقف عندها الطغاة؟ ولكن هل الحل ان نركن للطغيان والاستبداد ونئد الثورة في مهددها مخافة ان نوؤد نحن بلا ذنب؟
ماذا عن إرث الانسانية في الشوق الى الكرامة والحرية؟ هل ننقلب عليه عندما يأتي صوبنا ونرفض دفع الكلفة الباهظة التي دفعتها كثير من الشعوب؟
هل نحن شواذ عن حركة التاريخ وبدعة من الشعوب فلا تنطبق علينا السنن؟
هل تبدأ الثورة عفيفة ثم تغتصبها الحرب وتدنسها؟ وهل نتعلم الدرس الوقائي اذن فلا نثور؟!
هل نملك حق التنظير ونحن نعيش في الدعة على من فقدوا إنسانيتهم؟
أليس من الخطر ان نثبت التفاصيل المرة والمشوهة في الكتابة في حرب ما زالت مفتوحة ولم تكتب صفحتها الاخيرة؟
هل من دور الاديب ان يوثق او يتغاضى؟
اليست الكتابة أخطر من سفك الدم؛ فالدم يغسله الماء ولكن نقطة الحبر على الورق ثابتة في الذاكرة؟
لم يحسم العتوم أمره في الانحياز الى جانب الأمل او اليأس وبقينا معاه نتأرجح على حد الإيمان، فهل نملك ان نقع في الكفر بإعلان اليأس؟!

مقالات ذات صلة

*شفاعة الحكمة الشافية
يشفع للعتوم أحيانا ذلك السلسل العذب من الحكمة الذي يريقه على جراحات القارئ ليهدأ النخز قليلا ويأخذ المحارب استراحة، وتُفتح النوافذ على استحياء، ويعد الصائمون كعك العيد ولو على هدير الطائرات.
انها حكمة لم تزل تذكر أن الأمل من الايمان وانه السلاح الوحيد لمن فقد كل شيء، وبفقدانه تكون النهاية الحقيقية، أولم يقولوا في الشهيد وهو يتبختر في لحظة النهاية إن حلاوة روحه رقصت به وما حلاوة الروح سوى آخر قطرات الايمان تنزف قبل إسلامها لبارئها.
هذه الحلاوة نجدها والعتوم يقول لنا إن»الشوك الذي ملأ الحديقة المهجورة بلونه القاتم هو ذاته الذي أطلع الوردة الزاهية،لا تكفر بالناس ولا تعطيهم كل ثقتك، آمن بالبذرة المغيبة في جوف الثرى، لكن هذه البذرة لن تشق التراب إلا اذا سقاها أحدهم بالماء، كن أنت أول السقاة».
ان رواية بها هذه الجملة :«كن انت أول السقاة» لكافية ان تحيل البلقع الى روضة غناء والهزيمة الى نصر والتشرذم الى وحدة.
ليست خاوية رواية تقول إن أرضنا ليست أرض الملاحم فقط ولكن أرض المراحم لو شئنا.
لا تفقدوا الايمان؛ فالخاوية ستصير يوما عامرة ممتلئة، فقط قوموا بدوركم في السقاية والغرس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى