مذكَّرات طفل لاجىء
** لا أحبُّ الطائرات ولا أطيقُ صوتها.. اليوم لوَّح كل الأولاد لها صارخين : ( إلى اللِّقاء .. مع السَّلامة ).. بينما بقيتُ أنا منبطحاً تحت السيارة غارقاً في تخيُّلات قصفِ البيوت و الشوارع .. ولم يوقظني إلا صوتُ ضحكاتهم عليَّ و استهزائهم من خوفي
** اليوم أعطانا المعلّم شهادةَ العلامات الشّهرية و طلب منا أن نوقِّعها من وليِّ أمرنا.. كل الأولاد عادوا بها بتوقيع الأب .. إلا أنا .. وقَّعت لي أمي
** أتضايقُ من الأولاد حين يسألونني عن الوطن : متى جئت .. كيف جئت .. ماذا رأيت هناك .. مع من أتيت .. مللتُ هذه الأسئلة! متى سأصبح جزءاً منهم ! أحاولُ أحياناً تقليدَ لهجتهم و حركاتهم فيقابلونني بضحكات هستيريّة .. لا أنا منهم ولا أنا من الوطن ..
** سألتُ أمي يومها : لماذا لم يعد بإمكانك أن تجلبي لي أخاً ؟ كلُّ أصحابي لديهم إخوان ذكور إلا أنا لدي أختان فقط.. قالت لي : أنت لست أخاهم فقط يا ولدي .. بل أباهم أيضاً .. أحسستُ حينها أنّني كبير .. كبيرٌ جداً .. أكثر من اللازم
** أنا الآن أبكي بحُرقة .. تذكّرت لُعبتي المفضّلة التي لم أذكرها حين خرجنا من دارنا فجأة .. و لم نعد .. أحسُّ بذنبٍ رهيب .. كيف نسيتُها ؟! حُزني كحزنِ جارتنا زينب التي نسيت ولدها ..
** سألني الأستاذ اليوم : من هجم عليكم الجيش أم المقاومة ؟ فأجبته : كيف لي أن أعرف .. و ماذا يفرقان عن بعضهما؟ قال : أقصد من الذي أخرجك ؟ قلت : الخوف .. لا أدري لماذا سكتَ فجأةً و غيَّر الموضوع
** صار عمري اليوم 9 سنوات.. 5 في الوطن و 4 خارجه.. العام القادم تتعادل الأرقام
#قلم_بعثرات
#ساجدة_الكايد