محطة مؤسفة في مسيرة القضية الفلسطينية / موسى العدوان

محطة مؤسفة في مسيرة القضية الفلسطينية

في هذه المحطة سأعتمد شهادة مسؤول من الطرف الآخر، ليروي لنا تجربته في مسيرة القضية الفلسطينية، خلال مرحلة أطلق عليها مسيرة السلام. والمسؤول هو شمعون بيرس رئيس دولة إسرائيل الراحل ، التي ضمّنها في كتابه ” الشرق الأوسط الجديد ” ترجمة دار الجليل في عام 1994. وبيرس مولود في بولندا عام 1923 وهاجر إلى فلسطين عام 1934، وتولى فيما بعد العديد من المناصب العليا في دولة إسرائيل، كما أسهم بفعالية في بناء الدولة.

يعتقد بيرس كما جاء في كتابه، أن الاقتصاد هو المدخل الرئيسي لأي حل للقضية الفلسطينية، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي مفتاح الحل، وأن المشكلة الفلسطينية هي لب النزاع العربي الإسرائيلي. ولهذا فقد دعا للانتقال من ساحة الحرب إلى ساحة الاقتصاد من أجل السلام، مع احتفاظ بلاده بالقوة العسكرية. فكان هو مهندس اتفاقية السلام، التي عقدت بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أوسلو، عام 1993بصفته وزيرا للخارجية.

يقول بيرس في وصفه لتلك الاتفاقية ما يلي وأقتبس : ” كان ذلك في الساعات المتأخرة من ليل العشرين من آب 1993، حين وقّع بقية المندوبين على الوثيقة النهائية، التي دأبنا على صياغتها منذ أمد بعيد، ها نحن أخيرا قد بلغنا اتفاقا عربيا – إسرائيليا. في تلك الليلة أيضا احتفلتُ بعيد ميلادي السبعين في أوسلو، كان الظلام ما يزال مخيما في إسرائيل، أما في النرويج فإن الفجر الشمالي المبكّر ينبلج من خلال الضباب.

مقالات ذات صلة

ها نحن مجموعة صغيرة من الإسرائيليين والفلسطينيين والنرويجيين، نشترك في أشد أسرار الدبلوماسية كتمانا، سرّ سيؤدي الكشف الوشيك عنه إلى منعطف فريد في تاريخ الشرق الأوسط. وابتسم أبو علاء ممثل منظمة التحرير الفلسطينية ابتسامة دافئة بوجهي وقال : إن هذه الاتفاقية هي هدية عيد ميلادك. وخطر ببالي : يا لها من هدية فريدة غير متوقعة، بل يستعصي سبرها . . . .

لقد شدّد الفلسطينيون خلال مناقشاتنا معهم على رغبتهم القوية في الحصول على مساعدات مالية، وكانت لدينا نحن أيضا مصلحة في مساعدتهم، لأن من يعيش في راحة يجب أن يتمناها لجاره. لقد كنت من المؤمنين على الدوام بأن الاتصالات السياسية التي لا تقترن بفائدة اقتصادية، تقف على ارض مهزوزة. بوسعك الاحتفاء بالنصر وبالنفخ في الأبواق، لكن الأبواق لن تصنع الفطور على الطاولة، وإذا ما ارتفعت مستويات العيش، انخفضت مديات العنف لا محالة . . . .

قبل الاحتفال في حديقة البيت الأبيض بتاريخ 13 أيلول 1993، جاء الدكتور احمد الطيبي أحد مستشاري عرفات إلى غرفتي في الفندق ليبلغني بأننا إذا لم نوافق على إجراء تغييرات معينة في عدد من الجمل الواردة في الإعلان، فإن عرفات سيعود على أول طائرة. طالب الفلسطينيون بأمور عديدة بينها حذف الفقرة التي تصف مجموعتهم كجزء من الوفد الأردني – الفلسطيني، وإدراج اسم منظمة التحرير الفلسطينية بدل تعبير ( الفريق الفلسطيني ) وافقنا على هذا الطلب بينما لم نوافق على الطلبات الأخرى، فلم يرضَ عرفات بذلك وأبلغنا بأنه مغادر. فقلت أبلغونا متى يغادر لأننا سنغادر في الوقت نفسه . . ولكنه لم يفعل “.

وفي رسالة مطوّلة كُتبتْ باللغة الإنجليزية وبخط اليد، صادرة من مكتب عرفات بتاريخ 23 حزيران1993، بتوقيع بسام أبو شريف المعاون الشخصي لعرفات ، والتي وصفها بيرس (بالدافئة) أقتبس منها الفقرات التالية :

” سعادة السيد شمعون بيرس وزير خارجية إسرائيل.

إنها حقا لفرصة مثيرة لي أن أستطيع كتابة هذه الرسالة إليك، وأن أكون على ثقة من أنها ستسلم إليك شخصيا. قررت أن أبعثها إليك بخط اليد بدلا من طباعتها، لأني أعتقد أن ذلك يعطيك مؤشرا على المشاعر التي أحملها تجاه المستقبل السلمي، والحياة السلمية التي تناضل من أجلها.

أنني واثق من أن الإسرائيليين يريدون السلام على غرار ما يريه الفلسطينيون، وأن المتطرفين من كلا الجانبين سينحسرون لحظة أن يتقدم الرجال الشجعان المميزون لردم الهوة وكسر حاجز الخوف وانعدام الثقة. إن لدى الإسرائيليين والفلسطينيين معا فرصة القيام بذلك الآن … وإنهم يحتاجون إلى ( رجال القمة ) للشروع بذلك … أن تضيع الفرصة لن يكون مدعاة للرثاء فحسب، بل سيكون مأساويا وكارثيا لنا جميعا …

عزيزي السيد بيرس

إننا نُكبر فيك رؤيتك الواضحة للمستقبل، وقدرتك على التقاط الجديد في هذا العالم، وأفكارك الأصيلة الهادفة إلى خلق شرق أوسط جديد، ونحن نشاركك ذلك. وحين نفحص بعمق مواقف الوزراء الإسرائيليين، تبرز أنت من بينهم باعتبارك الإنسان الذي يملك شخصية تاريخية كافية، لكي تستطيع البدء ببناء مستقبل أفضل.

نأمل أن تستثمروا كل الصفات الحميدة التي تحوزونها حقا في عملية خلق مستقبل أفضل، ونحن مستعدون للقيام بذلك، لأن نضع أيدينا في أيديكم لبناء مستقبل زاهر مستقر، لأجيالكم وأجيالنا المقبلة. إننا لعلى استعداد للتجاوب مع أية مبادرة في هذا الاتجاه، وسأظل وفيا لقضية السلام بين العرب والإسرائيليين “. انتهى الاقتباس.

* * *

التعليق :

بعد هذا الكلام الذي يعترف به الثعلب العجوز بيرس، بالتلاعب مع نظرائه الفلسطينيين بالقضية الفلسطينية المقدسة، من خلال بوابة السلام الزائف، أعود إلى السؤال الأساسي : ما هي نتائج الخطيئة الكبرى التي ارتكبها عرفات في مؤتمر الرباط عام 1974، باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بغير إرادة الملك حسين ؟

ثم أين أصبحنا بعد توقيع اتفاقية أوسلو بما يقارب ربع قرن، رغم الوعود والاجتماعات المتكررة برعاية أمريكية، وتعاون وتنسيق من قبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ؟ أليس القادة الفلسطينيون هم من فرّطوا بالقضية الفلسطينية قبل غيرهم، ورحّبوا ( بمشروع الشرق الأوسط الجديد ) لندفع نحن في الأردن، ثمنا غاليا في صفقة القرن المقبلة ؟ إن التاريخ لن يرحم من أساء لوطنه وشعبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى