متى يحين الشتاء ؟!
الأمر لا يتعلق بالتقويم بقدر ما يتعلق بالحالة الوجدانية التي تصير “كازك” ، والحنين الذي يصير “غازك”.. في الشتاء بالذات تصبح الذاكرة ناراً وقودها الذين حيينا بهم فماتوا،والذين نتنفس من خلالهم، والذين وجدنا أنفسنا بهم فضاعوا منا في زحمة الخيبات !
يحين الشتاء حين أمد عينيّ في الدنيا فلا أُبصر سوى فروة أبي.. وكان قد غادر الدنيا وأنا على أعتاب الخامسة من عمري ، لا أذكر عن هذا الرجل الشيء الكثير ،كل ما أتذكره أنه راجع المدينة الطبية وهو بكامل طوله وعرضه ثم عاد لنا بعد أشهر معدودات وليس في ضعفه كفؤاً أحد، عاد هذه المرة وفي يده “السرطان”، حتى في آخر أيام عمره ورغم وهنه رفض أن يدخل بيتنا ويده فارغة ! وأتذكر فروته التي كنت ألوذ بها كلما كاد لي أخوتي كيدا !
ويحين الشتاء حين تحتضن غرفة امي مؤتمرات القمة العائلية سيما وأن غرفتها المقر الدائم “للصوبة”.. في الشتاء تكتشف أن الجنة تحت أقدام الأمهات فعلاً ، أنا لا أتحدث عن الأمر من ناحية دينية فقط بل ودنيوية أيضاً : تحت سرير أمي ثمة أكياس فاكهة مما يشتهون، وعلب شوكلاتة مما يتخيرون،وعلب دواء لكل داء،وعطور لن تجدها عند “القُرشي”، وحقيبة فيها من الأوراق ما يغني عن زيارة الأحوال المدنية حتى يبعثون !
ربما نلوذ بغرفتك ظنأً بأن “الصوبة”تمنحنا الدفء يا أمي ،لكن سرعان ما يتبين لنا أن الدفء دفئك،وأن العكاز المركون خلف بابك لا يعينك على المشي بقدر ما يعيينا على الحياة،نهرب إليكِ لأن الإبتسامة حتى الإبتسامة لا تصل مرتبة “الضحكة” إلا عندك !
ويحين الشتاء حين يصبح صوت فيروز نشيداً وطنياً للحياة ، فهذا عاشق غض القلب يعترف لحبيبته بأنه “حبتك تا نسيت النوم”، فتبتسم بخجل وتؤكد له أنه “عندي ثقة فيك” ! وذاك عاشق خبير يسأل محبوبته بعد انحباس “كيفك أنت” ليثبت لها بأنه رغم الجمود “بعدك على بالي” وأن الحب القديم يتجدد تلقائياً كلما “رِجعت الشتوية” ..
“شايف البحر شو كبير ” تصبح دلالة قطعية على حجم الحب، و”زوروني كل سنة مرة” أعلى درجات القناعة و”تعا ولا تجي” حين ننزف قطرة الأمل الأخيرة .. ورغم ذلك لا زيارة في الأفق ولا مجيء مرتقب ، تتعاقب الفصول وتتبدل الوجوه ولا جديد : “وحدن بيبقوا” !
ويحين الشتاء حين يتبين لي أنني أتعامل مع السنة كالنمل تماماً :أنهمك بتخزين ذكرياتي معك ثلاثة فصول ثم أعتزل الحياة شتاءً وأقتات على ذكرياتك !
#عبدالمجيد_المجالي
