متلازمة ستوكهولم الكبرى / يوسف القرشي

متلازمة ستوكهولم الكبرى

عام 1973 قام مجموعة من اللصوص باحتجاز عدد من الرهائن في مصرف في مدينة ستوكهولم في السويد لمدة ستة أيام ، وبعد مد وجزر استطاعت السلطات أن تحرر الرهائن وتقبض على المجرمين ، إلا أن الغريب أن الرهائن خلال فترة الاحتجاز كوّنوا علاقات عاطفية مع الخاطفين لدرجة منعتهم من التعاون مع الشرطة لتحريرهم ، بل جعلتهم يدافعون عن الخاطفين فيما بعد ، ما دفع المستشار النفسي للشرطة السويدية حينئذ نيلز بيجيرو إلى دراسة الحالة بشكل مكثف ليصل إلى تشخيص حالة قديمة قدم التاريخ البشري والتي اصطلح على تسميتها لاحقا بمتلازمة ستوكهولم .

هذه المتلازمة تعني التعلق العاطفي بالمعتدي وبناء منظومة تبريرية لأفعاله بحيث يكون هو على حق دائماً حتى في اعتدائه ، وتظهر كنتيجة لعدم قدرة الضحية على المقاومة فيكون التعلق العاطفي نوع من الرد النفسي على الخضوع الذي لا يد لها فيه ، وكثيراً ما تظهر هذه الأعراض عند ضحايا الاغتصاب و العنف الأسري وحتى بعض أسرى الحرب .

وإن كانت تلك الظاهرة النفسية من التعقيد بمكان فالظاهرة الاجتماعية المبنية عليها أشد تعقيداً فأعنف متلازمات الستوكهولمية ( إن صح التعبير ) هي تلك التي تستغرق شعوباً بكاملها داخل إطار عبادة المعتدي و المغتصب والظالم ، سواءا كان مستعمراً أو كان من بني جلدتهم .

شاهدنا خلال السنوات السابقة ذلك الفقير المعدم الذي أكلته السنوات والديون يحمل بسطاراً على رأسه ليؤكد أنه مع ذلك الرجل الذي أفقره و حنى ظهره وفرض عليه الضرائب الباهظة ، وتلك المرأة التي ترقص أمام لجنة الانتخابات ابتهاجاً بعودة البسطار ذاته بعد غياب خجول ، ورأينا مظاهرات تخرج في ذات البلد لتقول للعالم : دكتاتورنا أفضل من حريتكم ، فليفعل بنا ما يشاء فنحن له وبه ، ولسنا شيئاً بدونه ، لقد كنا حفاة فكسّر أرجلنا ، وعراة فسلخ جلدنا ، وعالة فباعنا في سوق النخاسة ، ألا يستحق بعد هذا أن نصلي له ونحتفي به .

لربما يكون هذا رد فعل لعجز تلك الشعوب عن تقرير مصيرها فبنت في أبنائها جيلاً بعد جيل منظومة دفاع عن المعتدي تدافع عنه وتقف في صفه وتمنع المساس به وترسم الخطوط الحمر والصفر حوله ، لتشعر بالأمان ، لتشعر أنها في صف القوي المتسلط ولو كانوا هم أول المتضررين من قراراته وسياساته.

المضحك أن الجيل الذي تربي على الدفاع عن سجانه يكبر ليرى غيره يعيش دون سجان فيستغرب ويمتعض ويشمئز ، و يرميهم بما يستطيع من الشتائم عالية المستوى وسافلته ، ويستخدم الدين والسياسة والتاريخ والجغرافيا ليقنعهم أن العيش بلا سجان ضرب من” الجنان ” ، فكيف تكتبون ما تريدون و تقولون ما تشاؤون دون سوط مسلط على رقابكم يوجهكم لما فيه خيركم في الدنيا والآخرة .

علاج متلازمة ستوكهولم للفرد الواحد يتطلب جهدا مضنيا من المعالجة السلوكية و الجلسات المستمرة لتعديل الفكرة و” كتابة الذكرى بشكل مختلف ” بهدف تغيير صورة المعتدي في ذهن الضحية من المنقذ الرائع إلى حقيقته كوحش بشع يقتات على الغباء والغفلة وقلة الحيلة ، وعلى اعتقاد الفرد أنه ليس بشيء دون سجانه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى