ما بعد القتله ! / سهير جرادات

ما بعد القتله !
سهير جرادات

تلزمنا حادثة القتلة ،” بفتح القاف وتسكين التاء ” بحسب اللهجة الإربداوية ، التي اعتدى فيها رجال البحث الجنائي على الدكتور محمد ذيابات بالضرب ، وتزامنت مع أحداث سجن سواقة ، ومقاطع فيديو أعيد نشرها ، أن لا نمر عند هذه الحوادث مرور الكرام ، ويجب أن نتوقف عندها، ونحلل أسبابها وصولا إلى ايجاد الحلول لها ، حتى نضمن عدم تكرارها، بعد أن نتفق أنها حوادث ” منعزلة ” عن جهاز الأمن.

وعند الوقوف عند أبعاد هذه الحوادث ، نجد أن القاسم المشترك بينها ، هو الظلم الذي يُولد العنف ، وبحسب نظريات علم النفس وتحليلات علم الاجتماع ، فان الظلم يحول حياة الظالم إلى ظلمات ، والأيام دوارة ، ومن ظَلم اليوم يُظلم غدا ، وبذلك ندخل في دائرة مفرغة ، ألا وهي ” الظلم يولد القهر ، والقهر يولد الكره ، والكره يولد الانتقام”، ويترجم كل ذلك من خلال ظلم الانسان لغيره بالضرب والشتم والتعدي والتطاول على الضعفاء منهم، الأمر الذي يزيد من وتيرة العنف كلما زاد القهر ، وقل الشعور بالأمان.

نتفق جميعا على أن اللجوء إلى أسلوب الضرب، سلوك جبان لا يلجأ له إلا ضعفاء الشخصية ، ويأتي نتيجة تعرض الشخص الممارس لضغط نفسي ، إلى جانب أن مثل هذا التصرف يعد من أنواع الارهاب، الذي يمارس من قبل أصحاب السلطة على المواطنين العزل ، وأن من الأسباب التي تقف خلف هذه التصرفات، أنها لا تمارس إلا من قبل أشخاص تعرضوا للقمع والظلم من رؤسائهم ، في ظل غياب العدالة وانتشار الرشوة ، واتساع رقعة الفساد والواسطة والمحسوبية والشللية ،ليتحول فيما بعد إلى كبت وكراهية وحقد ، وتترجم في غالب الاحيان إلى استخدام البطش والقوة الجسدية .

مقالات ذات صلة

وأظهرت لنا هذه الحوادث الصادمة مدى غياب الحكمة في التصرف من قبل من نعدهم ” كبار البلد ” ، وما برز معها من ردود أفعال خاطئة ، وتخبط في ضبط الأحداث وتطويق الأمور، خاصة تلك التي تهدد استقرار البلد وأمنه ،كما وأكدت على فقدان ثقة المواطن بالمسؤول ، واتساع الفجوة بينهما .

علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ، أن الظلم فتيل الثورات ، التي تقوم على مبدأ تصحيح الواقع الخاطئ المتمثل بضياع الحقوق، سعيا لتحقيق العدل ومنع الاستغلال ، ووقف الطغيان ، خاصة أننا نشهد حالة من التراجع في جميع المناحي ، وازدياد الحس الفكاهي الذي يتناسب طرديا مع مدى الكبت والظلم الذي يتعرض له المواطن ، مما يتطلب الوقوف عند الأسباب الحقيقية لهذه التصرفات المستهجنة ، والعمل على إزالة التشوهات والترهلات التي مست بعض أجهزتنا ، من خلال إعادة بناء العلاقة بين المسؤول والكوادر العاملة ، وإصلاح القوانين الناظمة ، وتفعيل تطبيقها ، وتغليظ العقوبات ، وإخضاع العاملين لدورات تأهيلية في مجال مهارات الاتصال ، وبناء العلاقات التشاركية مع المجتمع المحلي قبل نزولهم إلى الميدان .

من المؤسف أننا اعتدنا في أغلب الأحداث الساخنة التي تشهدها الساحة المحلية ، أنها تمضي دون أن نعلم نهاياتها ، أو بالأحرى أنها لا نهايات لها ، وفي الغالب تكون ذات نهايات مفتوحة ، لا ترافقها بيانات شارحة للاجراءات المتخذة، أو لنتائج التحقيقات ، بحيث تترك باب الاشاعات والتحليلات غير الواقعية مفتوحا ، وتنمي مجال الخيال لدى المواطن الذي لا يجد أجوبة للاستفسارات التي تدور في فكره ، وما ترافقها من اتساع هوة الثقة بينه وبين المسؤول ، الى جانب الشعور بالقلق وعدم الاستقرار اللذين يولدان الاضطراب في السلوك ، وهكذا نبقى نراوح مكاننا ، وندور حول أنفسنا.

وتبقى حياتنا ، وما يدور فيها من أحداث ، تشبه أغلب نهايات أفلام “الأكشن” ، ذات نهايات مفتوحة.

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى