ما الذي خلف الأكمة ؟ / د. هاشم غرايبه

ما الذي خلف الأكمة ؟

لقد لوحظ في الآونة الأخيرة، إسراف مبالغ فيه، على الصعيد الإعلامي الرسمي الأردني، في التعاطي مع ما يسمى (الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس).
وكانت لغة الإصرار على التمسك بهذه الحالة وعدم التنازل عنها، توحي وكأنها مكسب عظيم، وبدأت الحملة الإعلامية بتكليف مجلس النواب بالحديث فيها من أجل الإحماء، ثم أتبع ذلك بتسيير المسيرات، ورافقها إلحاح من المسؤولين على مختلف المستويات بطرحها في كل مناسبة.
كالعادة لم يعلن أصحاب القرار ما الذي يجري، وما الذي تحصلوا عليه من معلومات تفيد بأن هنالك نية تجاه تغيير هذه الحالة التي لم تقدم أو تؤخر في قضية أن المسجد الأقصى محتل ويخضع لسيادة العدو بشكل كامل، كما أنه لم يفهم أحد ما الذي حدث حتى تصبح هذه القضية محل تجاذب أو حتى مدار بحث، فقد كانت هذه الحالة ترضية معنوية من الكيان اللقيط للأردن عند توقيع معاهدة وادي عربة عام 1994 ، التي تم فيها تخلي الأردن رسميا (بذريعة قرار فك الإرتباط غير الدستوري)عن المطالبة بالضفة الغربية من الأردن التي احتلت عام 67 ، وبطبيعة الحال فالقدس جزء من تلك الأراضي، لكن ولما للمسجد الأقصى مكانة هامة في الدين الإسلامي، فقد اقترح الكيان اللقيط منح الوصاية التي تعني التكفل بالعناية وصيانة هذا المسجد للعائلة الهاشمية، وبالطبع بلا أي نوع من السيادة عليه ولا الإدارة.
السؤال الذي لم يجرؤ أحد على طرحه، هو لماذا حددت بالهاشمية وليست أردنية، مع أن الأردن مملكة هاشمية!؟.
والجواب الذي لم يتبرع أحد بتقديمه هو أنها دعيت كذلك لكي لا تكتسب حقا قانونيا، فكونها هاشمية فهي ليست رسمية، أي ليس للدولة الأردنية أي دخل في الموضوع، لأن الهاشمية صفة عائلية وليست كيانا محددا، لذلك فتبقى القضية معنوية، وهي ميزة تكريمية مثلما كانت السقاية والرفادة للبيت الحرام للهاشميين قبل الإسلام.
من ناحية القانون الدولي، فقد نص قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 على إبقاء القدس خارج التقسيم، أي كما كانت، ولما كان الأردن وفلسطين قبل الإنتداب البريطاني كيانا واحدا زمن الدولة العثمانية، فالأصل أن تكون السيادة على القدس مسؤولية أهلها، لكن كون الإحتلال قام على أساس إنكار حق أصحاب البلاد الأصليين فيما يملكون، وادعاء اليهود بأن الله قد منحهم إياها، ورغم أن الشريعة الدولية لا تعترف بالأساطير، ولا تبني أحكامها في الحقوق المتنازع عليها إلا بالوقائع المحققة، إلا أنها في هذه الحالة تحيزت لأطماع الغرب وساوت بين حقائق التاريخ والجغرافيا وبين الأساطير التلمودية، فاعتبرت القدس دولية.
التدويل يعني عدم خضوعها سياديا لأية جهة، لكن سيادة سكانها في أرضهم وعلى ممتلكاتهم أمر غير خاضع لهذه الحالة، بمعنى أن تبقى الملكيات والحيازات والأماكن العامة (كالمساجد مثلا) كما كانت قبل التقسيم أي خاضعة لسيادة أهل المنطقة (الفلسطينية الأردنية)، لكن من غير رفع أعلام للجهتين المتنازعتين.
لكن ما حصل هو استيلاء بالكامل على كل ما في المدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين، رغم أنه لا يوجد أي مكان فيها ينتمي الى العقيدة اليهودية، وقد حاول الإحتلال وسط إغماض عين الغرب عن أعمال الحفريات (الممنوعة في عرف اليونسكو) تحت المسجد الأقصى للبحث عن أي أثر لما زعم أنه هيكل سليمان، والآن هنالك ما يماثل مساحة المسجد وساحاته تحت الأرض والتي تضم المسجد الأقصى القديم، وعندما فحصوا تصميمه وجدوه مسجدا بكامل مواصفاته، وحجارته وجدوا أنها تعود لآلاف السنين لكن لم يجدوا أي أثر عبري إطلاقا، فسكتوا ولم يعلنوا ذلك.
التفسير المنطقي لذلك أن داود وسليمان عليهما السلام كانا نبيين مرسلين من الله، وهما من ذرية ابراهيم ويعقوب عليهما السلام، والذين أوصيا السلالة النبوية بأن يقيموا الإسلام ولا يتفرقوا فيه، لذلك لا يمكن أن يدعو أي نبي بغير ذلك، فعندما وجدوا المسجد الأقصى (ثاني مسجد بني بعد البيت الحرام) قائماً، لا يمكن أن يتركوه ويبنوا هيكلا لعبادة الله خلافه، لذلك فلا يمكن أن يجدوا أثرا لمعبد غير المسجد الأقصى.
إن قبول العرب بالأدنى، وسكوتهم عن أطماع اليهود هو الذي أوصلنا الى هذا الذل.
القدس مقدسة عند المسلمين والنصارى ومليئة بالآثار الموغلة في العراقة التي تثبت ذلك، ولا يوجد أي أثر ولو بسيط لليهود…فكفانا تهاونا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى