“ما اشبه اليوم بالامس ” / د. محمد سعود شواقفة

“ما اشبه اليوم بالامس ”

عندما تعيش في مجتمع تحكمه المظاهر و اكثر ما يهم هو ما يبدو و ليس النية الخالصة …. و عندما يعتقد من حولك انك تلاحق الاوهام و لو كانت حقيقة ….. و عندما يحاول البعض النيل مما تفعل او تقول ليبدو و كأنه كذبة سمجة أو قصة مختلقة فصولها كتبت على الرمال ….
عندما ندعي المثالية و نحن نغتنم الفرص في كل لحظة و مناسبة للنيل من بعض …. فذلك يدعو للبحث عن الجيد و المفيد و تمييزه من السئ و الضار …. و قد لا يكون سهلا ان تجد مرامك و ان تميز الخبيث من الطيب ….. و هناك صعوبة جمة لفرز الاصلي من التقليد …. رغم كل الظروف و بدون مجاملة تختفي الحقيقة و يحتجب حسن النية ….

كعادتي التي لا استطيع التخلي عنها في التعليق على ما أراه بعيني …. فانني اقتبس من ذاكرتي الفيسبوكية هذه القصة رواها أحد ما و لا تزال عالقة بذاكرتي … و للامانة العلمية في النقل فانا قرأتها منذ زمن بعيد ولا اذكر من هو الكاتب و مدى حقيقة القصة ….
فصاحبنا شاهد نملة تحاول ان تجر رجل حشرة ميته تكبرها بالحجم مرات عديدة …. حاولت مرة و مرة و مرة و لكنها لم تستطع …. فما كان منها – اي النملة- الا ان ذهبت بعيدا و كما يبدو انها استنجدت برفيقاتها من النمل ….و كان صاحبنا اللئيم يتابع ما يجري باهتمام ….و قد فهم ما تنوي النملة و صديقاتها ان تفعله …. و راح بسرعة و و التقط رجل الحشرة الميته و ابعدها من ذلك المكان …. و صار يراقب النملة تلف و تدور حول ذات المكان و بقية النمل ينظر اليها بشك و بنظرات لا ترحم …. لكنهم على ما يبدو كانوا يحترمون هذه النملة لنشاطها و اخلاصها في العمل …. و بالفعل تفرقوا كل اى شأنه و لسان حال النملة يثير الشفقة و الحزن ….. و غاب جميع النمل …. فما كان من صاحبناالا ان يعيد رجل الحشرة الى مكانه ….. لم تكد النملة ترى غنيمتها مرة أخرى حتى راحت تلف و تدور حولها يعتريها عدم تصديق و شك عظيم و راحت تحاول جرها وحيدة ….فهي لا تستطيع فعلا ان تذهب و تطلب العون و المساعدة مرة اخرى … و لكنها ايضا غلبها التعب و الارهاق و قد خارت قواها و انهارت …. فلم يكن لها من بد ان تذهب مرة اخرى و تطلب مساعدة رفاقها من النمل …. و بالفعل عادت ادراجها الى حيث الجميع … و وسط تردد و شك كبيرين و لما لها من مكانة عند بقية النمل …. عاد معها عدد لا بأس به لاجل خاطرها ….. فما كان من صاحبنا الا ان اعاد الكرة مرة اخرى و هو فعلا يستمتع بتعذيب النملة و الايقاع بها مرة اخرى …. و تكررت الصدمة مرة اخرى و اسقط في يد النملة التي راحت تلف و تدور و تقسم بأغلظ الايمان انها وجدت رجل الحشرة و ليس ذلك كذبا او محض خيال … و لكن هيهات لبقية الفريق ان يصدقوا انها فعلا وجدت تلك الغنيمة …. و عاد الفريق مرة اخرى و عيونهم يكاد يتطاير منها الشرر حنقا و غضبا…. و لم يعد للنملة من بد ان تعتذر و تستسلم لحقيقة انه لربما ادركها الخرف و ان كل ما رأته لم يعد كونه تهيؤات …..و ما ان تفرق الجمع حتى اعاد صاحبنا اللئيم رجل الحشرة الى مكانها …. جلست النملة تحدق بها و هي تحدث نفسها بأن ذلك لا يمكن ان يكون فعلا حقيقة … و راحت تلمسها بيديها و تشتم رائحتها …و لكنها تعود و تقول لعقلها…. انك لا ترى شيئا و ما هذا الذي تراه الا اضغاث احلام ….. ولكنها لا تستطيع ….حتى أن أعز صديقاتها كانت تتجنبها و تحاول الابتعاد عنها ….. حدثتها نفسها بأن تحاول لمرة أخيرة يحدوها أمل كبير بأن لا يختفي هذا الصيد الثمين …. و ما ان وصلت الى حيث رفاقها حتى بادروها بالاهمال و عدم الاكتراث …. و لكنها توسلتهم و لم تترك حجة او قصة الا و سردتها لهم في محاولة لاثبات انها لم تخبرهم الا الصدق بما شاهدته بعينيها و لمسته بيديها …. و بعد جهد جهيد نجحت باقناع مجموعة صغيرة بمرافقتها الى حيث الكنز المنظور …. و كان صاحبنا يستمتع بسماجته و رفع رجل الحشرة الميتة مرة اخرى …. و لم يستفق من نكتته السمجة و قد ارتسمت على محياه النشوة بهذه التسلية الا بعد ان راح جميع النمل يهاجم نملتنا المسكينة …فقطعوها اربا اربا ….و لم يكن لتدخله باعادة رجل الحشرة الى ذات المكان اي معنى …بعد ان رأى النملة و قد تقطعت اوصالها ….
لم يكمل صاحبنا القصة بعد ذلك …. و ادرك ان اللؤم و الخبث عواقبه وخيمة …. و ادرك ان ما يبدو للناس بانه كذب قد يؤدي لنتائج غير محمودة ….. و لكن ذلك لم ينقذ حياة النملة التي اصرت على ان ما رأته عيناها حقيقة ….رغم انها شربت من نفس الكأس عدة مرات …لكنها لم تتعظ او تتعلم …
طبعا القصة تعبيرية و لا تمت للحقيقة بصلة ابدا ….. طبعا تعلمت الكذب جيدا منكم لكن احذركم بانني لم اعد اصدقكم ….
“دبوس متعدد الاتجاهات على الكذب”

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى