لم يكن إلا حلما !! / جنوب بنت طريف

لم يكن إلا حلما !!
إهداء ….
إلى الفارس الذي خرج من القصص البطولية القديمة ، ذلك الذي لو قبل الأرض اليباب لعادت جنة من جنان الفردوس ،
إلى تلك القبلة التي ما زالت طيف حلم ، حلم يشبه اليقظة أو يقظةتشبه الحلم ….

لم يكن إلا حلما ….
في طفولتي الباكرة كنت مغرمة بالرسم على الرمل ،حيث الأفق ممتد ، والرمال صفحات تروي الكثير ، عن الباحثين عن وطن حتى لو كان حفنة من تراب .
كنت أجمع الحصى وأبني مملكتي ،أحرص أن تكون عالية العماد ، بباحات واسعة ونوافذ مشرعة تسمح للحرية أن تدخلها من كل الأنحاء . حتى إذا أنهيت بناءها قرر والدي الرحيل ، فأغرق في حزن عميق وأبدأ مشروع غياب يؤذبيي في انتظار استقرار جديد.
وهكذا كنت أترك ورائي عالم أحلامي ، ومملكتي خربة بلا سكان ، وكان الرحيل يدع في نفسي وطنا تائها بلا عنوان.
في عالمنا تولد الفتاة بوزر الأنوثة ، وذنب الغواية ، وتلك الموروثات التي يعززها كل شئ محيط ، بدءا من استحياءالقابلة حين تخبر عن حضور بنت ،وانتهاء بإجراآت دفنها فيما بعد ، في طقوس خجلى ..
حين بلغت العاشرة أدركت أن في ذاتي أنثى صاخبة يجبرها ما حولها على التستر في جلد رجل ، ربما هربا من عقدة الغواية ، أو لتحقيق الحماية في مجتمع ذكوري ، وربما للتجمل ؛فالرجل في أعرافنا أجمل حتى لو كان رجل أنثى !!
حينما أدرك والدي ضرورة التحاقنا بالتعليم ،قرر المكوث على أطراف قرية عمانية خصبة ، كان ذلك في نهاية صيف الواحد الثمانين ، كانت القرية تملك الكثير من عوامل الدهشة ،
خاصة تلك اللوحة الآسرة التي ما زالت تملؤ مخيلتي ،الأرض عقب الحصاد ، حيث كان والدي يسرح شويهاته في عصفها ،حينها تبدو الأرض كأنثى تخلع ثوبها المذهب ،وتمتد في انتظار حرث جديد يقلب أعلاها أسفلها ،وتتنفس باعثة عطر الثرى ذلك الذي يستمطر السماء ،في عرس مطري بهيج يتلوه خصب ونبات واعد يهب الحياة لكل الكائنات .
ماكان على بدوية ناشئة مطبوعة على الحرية ، والاعتداد بالنفس أن تتقبل التغير في نمط الحياة والأكل واللبس ، سوى ذلك النهم الدراسي والرغبة في التعلم …وأعترف بالجميل لمعلمتي ” عفيفة صادق ” يوم تلقفتني وأغدقت علي من رعايتها ولطفها ما أولعني باللغة العربية ، فتناولت الكتب والقصص مطالعة وهضما حتى تشبعت بثقافة واسعة على قد طالبة في المرحلة الإعدادية ، شغوفة بالكتابة ومشاركة فعالة في مختلف الأنشطة ….
واليوم ، وأنا في طريقي لتحقيق درجة علمية ، ومعي سجلي الحافل من الشعر والرواية ، ومن مكاني هنا وأمامي البحر بسكونه حينا وجنونه أحيانا ، أستذكر ذات مساء ، وكنت في الصف التاسع وقد طلبت معلمة العربي خاطرة حرة ، أستذكر وقفتي بين قريناتي وكأنها اليوم ، يوم تقمصت دور الأميرة النائمة ، وكنت للتو قد أنهيت قراءة قصتها ، تحدثت بصوت اللاوعي عن تلك القبلة التي كانت سببا في إيقاظ الأميرة من سباتها العميق ، الذي استمر لسنوات ….كان الفتيات مأخوذات بما أقرأ ،متقطعات الأنفاس ، في حين بدت الدهشة والحمرة على خدي المعلمة ، حينما فرغت أدركت المساحة التي أطلقت فيها خيالي ، ورغم نجاح الموضوع أدبيا ، فقد أعدم بعد اتهامه بالجرأة والإباحية ، كنا بحاجة لمعجزات لنطلق العنان للفكرة بعيدا عن إغلاقات الحاضر وإخفاقات البشر ، وظلت تلك القبلة سبة تحاصرني وتزعجني ، وتجعلني دوما أعيد النظر في كتاباتي وأقرؤها مرارا قبل نشرها ،خوفا من انطلاقات مخيلتي وجموح كلماتي .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى