“لمن يركب الموجة …” / د. محمد شواقفة

“لمن يركب الموجة …”

قصة منقولة بتصرف …. عن طائر نورس غفل عن سربه و تاه فراح يذرع البحر جيئة و ذهابا يبحث عن اقرانه دون جدوى …. فراح بيأس يبحث بين الامواج عن رفيق يسليه و يحمله معه لربما يهتدي للشاطئ الذي بدا بعيدا و غائبا في خضم اليم المتلاطم ….
اقترب من موجة كبيرة و حاول ان يركب ظهرها لعله يقتنص قدرا من الراحة من عناء الطيران ….لكن الموجة بادرته بالهياج و ارغت و ازبدت و ثارت في كل اتجاه في رفض لذلك الزائر الوحيد في ان يعتليها ….. لكنه لم يلق بالا لها و واصل اللحاق بها و متابعتها الى ان حط عليها و استراح فوقها ….

انتفضت الموجة في وجه النورس و قالت له : إليك عني ، لا تعترض طريقي ….اتركني ليس لي رغبة بأي رفقة …. راح النورس يرجوها وصلا و اقترابا ….. أنا تائه في هذا البحر اللجي لا أجد غير الامواج رفيقا ترحل في كل اتجاه … و لا أجد طريقي للشاطئ و قد أعياني الطيران في كل اتجاه …. لقد غفلت لحظات و غاب معها نظري عن سربي …. أنا وحيد ليس لي صديق ولا ارغب منك شئ الا ان تكوني لي رفيقة …. لم يعجبها خضوعه و ردته و هي تزداد هياجا و نفورا …. ابتعد عن طريقي و ابحث عن موجة اخرى تحملك بعيدا عني …. فاليم كبير جدا و تملؤه الامواج ….. لم ييأس و راح يرجوها بتودد و اشفاق …. ألا تلاحظين انني مرهق و لم أعد قادرا على الطيران …. اتخذيني صديقا الى ان نصل الى الشاطئ …. سأحكي لك الحكايات و سأخبرك من القصص و الروايات ما حملته لذاكرتي رحلاتي عبر البحور و الشواطئ …..عندها علت الموجة و كأنها تحاول ابتلاعه و عادت لجوف البحر بارتطام مهيب ارعب النورس و اجبره على الطيران بعيدا و هو ينظر اليها باستغراب و أسى …. و ابتعد يملؤه الخوف و الهلع و خيبة الامل …. و اذا به يشاهد الشاطئ قد بدا من بعيد و طيور النورس تتطاير هنا و هناك الى كل حدب و صوب ….. ابتهج و راح يسابق الريح و يغالب الغيم اقترابا من النجاة ….. التفت لتلك الموجة الغاضبة و راح ليبشرها بأنهما اقتربا من الشاطئ ….. سمع منها أنينا و تنهيدة ….. فقالت له …. لقد وصلت لبداية جديدة …. وانا ستنتهي رحلتي عند تلك الصخور تكسرا ….. هل عرفت لماذا لم ارد ان تكون صديقي و تتعلق بي ….. فانا موجة تبدأ صغيرة في مكان ما و تبدأ تكبر و تكبر و تعلو لتصل لتلك النهاية …. و لا يصل الى الشاطئ الا من يركبني …..و انا كمثل كل الامواج سارتد لعمق البحر بدون ذكريات و انحسر و اتلاشى ….
اقترب منها النورس و قد بدأت تتلاشى و تتكسر اجزاء و مويجات …. و اقترب مما تبقى منها و قال لها بحنو ” لن أنسى فضلك علي و لربما ساتذكرك ما دمت ارحل و اطير ”
و في لحظات …غابت الموجة التي حملته للشاطئ و تلاشت رويدا رويدا …. و هو يراقب بلهفة لحظات الافول ….. كان يطير بعيدا مع سربه و كله أمل ان يلتقي تلك الموجة في خلال رحلة التيه التي بدأت من جديد …..

“دبوس لمن يركب الموجة ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى