للّه يا موظفين!! / محمد العيسى

للّه يا موظفين!!

منذ نعومة أظافري التي نسيت نعومتها وأنا أعرف أن المتسول هو الانسان الفقير أو حتى المتفاقر الذي يرتدي ثياب مهترئة وبالية يجلس على الطرقات او عند ابواب المساجد او حتى يطرق الابواب باحثا عن ” الفراطة ” بيد مملوئة بالكد والتعب ممدودة الى الناس وبجملة تستجذي شفقة الناس أكاد أجزم انها احدى أهم مقومات التسول وهي ” لله يا محسنين ” ، ولكن ما حصل معي أول أمس جعل من أظافري الخشنة ذكرى زمنية جديدة في قاموس الذكريات كي تصبح قصتي التي حصلت معي منذ خشونتها لا نعومتها.

اضطررت آسفا أول أمس للذهاب الى احدى المؤسسات الحكومية المرموقة في عمان والتي تحمل على جفني مبناها آية كريمة كي أقوم باستخراج اوراق تخصني تعود لعدة أعوام ولكن عندما ذهبت اليها كذبت على نفسي كما كذب عليها من كذب بأننا في عصر الحكومة الالكترونية وعصر الكومبيوتر وعصر ” إنت بس اؤمر ” ، دخلت بكل ثقة على هذه المؤسسة بكامل الأناقة واللباقة التي أحملها معي من الساعة الثامنة وحتى الثالثة والنصف يوميا كمتطلب من متطلبات وظيفتي حاملا في ذهني أنني لن اتجاوز ساعة المغادرة التي قدمتها وسأعود وقد تم تلبية طلبي بكل احترام.

وبالمناسبة قبل ان اخرج من العمل أهداني أحد الزملاء قلما وبرر هديته بأنني لن أجد ما أكتب به هناك وأهداني أيضا أسم مكتوب على ورقة وقال لي ان وجدت صعوبة في الحصول على ما تريد فابحث عن هذا الشخص كي يقوم بمساعدتك ” يعني واسطة المهم ما علينا ” ، عندما دخلت حاولت السؤال عن الشخص المسؤول عن خدمتي الا ان المحاولة بائت بالفشل كون أن ” الريسبشن ” خالي من الدسم الوظيفي ، صرت أدخل المكاتب وأسأل بشكل عشوائي ولأن السؤال كان عشوائي فالاجابة كانت عشوائية ايضا فهذا يبعثني على هذا وتلك تبعثني على تلك دونما فائدة حتى أن الشخص الواسطة لم يكن موجود.

مقالات ذات صلة

وجدت أن اغلب المراجعين يستخدمون اسلوب ” اتمسكن لحد ما تتمكن ” فالكل يخفض من نبرة صوته ويرسم على وجهه ملامح الحزن وكانت أكثر الجمل التي سمعتها ” يا خوي ” ” يا خالتي تعبانة ” يا ستي تمشيني مستعجل ” ” يا يا يا ” ويا هنا ليست ياء النداء بقدر ما هي ياء الترجي والتسول ، سرحت قليلا فيما أنا فيه وخلعت ثوبي الثقافي والوظيفي الذي دخلت به ووجدت نفسي أحمل ياء الترجي والتسول على لساني وقبل أية كلمة حتى حصلت على نصف ما أريد ومن ثم خرجت..

نعم هي إذن ” لله يا موظفين ” عندما يصبح المتعامل متسول والموظف صاحب منزل بيده قرار فتح الباب او ابقائه مغلقا في وجه كل من وقف على حافة مكتبه ليس لشيء وانما لانه يطالب بحقه كمواطن..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى