برغم رفض الناشرين: تانيجا تفوز بجائزة إليوت

سواليف
لحظة الفوز بجائزة أدبية مرموقة هي لحظة فارقة في حياة الكاتب، ولا سيما عن أول عمل له. العمل الأول بالنسبة لكاتبه يشبه بالون اختبار، يختبر به مشروعية وجوده ككاتب. وتتكفل له الجائزة بالكثير، بدايةً بالتعريف به على نطاق واسع قد يتجاوز في بعض الأحيان حدوده الجغرافية، وأهمها على الإطلاق، تلك الروح الجديدة وقد تثبتت الآن من وجودها. ما حدث مع بريتي تانيجا، الكاتبة الهندية التي تُوّجت روايتها الأولى “نحن أولئك الشباب” بـ”جائزة ديزموند إليوت” للعام 2018، يشبه ذلك كثيرا. تقول تانيجا لـ”بي بي سي”: “كنت أشعر بأنني دخيلة، وقد نُشرت روايتي في دار صغيرة. لذا فإن التعرف على كل هذه السنوات من العمل كان مهمًا للغاية بالنسبة لي. ولم أكن أتوقع حتى أن أكون ضمن القائمة القصيرة”.

وصية ديزموند إليوت

أطلقت جائزة “ديزموند إليوت” في عام 2007 للرواية الأولى الصادرة في المملكة المتحدة، كنوع من الدعم والاحتفاء بالمؤلفين الطموحين ونتاجهم الروائي. واتفق في بدايتها على أن يتم منحها كل عامين، بقيمة عشرة آلاف جنيه إسترليني، فضلا عن القيمة المعنوية تحت اسم الناشر والوكيل الأدبي ديزموند إليوت، الذي رحل عن عالمنا في أغسطس/ آب 2003، تاركا وصية باستثمار ملكيته الأدبية في صندوق خيري لتمول جائزة أدبية تستهدف “إثراء مسيرة الكُتاب الجدد”.

فازت بالجائزة في دورتها الأولى الكاتبة الهندية نيكيتا لالواني عن روايتها “الموهوبون” في يونيو/حزيران 2008، وتبرعت بقيمتها آنذاك إلى نشطاء حقوق الإنسان. وكانت “الموهوبون” قد أدرجت في قائمة مان بوكر الطويلة، وكذلك في القائمة القصيرة لجائزة كوستا للرواية الأولى.

بعد إطلاق الجائزة بنجاح، قرر الأمناء جعلها جائزة سنوية، تحت إدارة إيما ماندرسون وأمناء مؤسسة ديزموند إليوت الخيرية، وهي مؤسسة خيرية في المملكة المتحدة، وفيها يتم اختيار لجنة من ثلاثة محكمين يتم تغييرهم كل عام بواسطة أمناء الجائزة. وهي تُمنح لأفضل عمل روائي مكتوب باللغة الإنكليزية كتبه مؤلف يقيم بشكل دائم في المملكة المتحدة أو إيرلندا. تتألف قائمتها الطويلة من 10 عناوين، تليها قائمة مختصرة، تحتوي ثلاثة أسماء فحسب، حتى الاختيار النهائي خلال شهر يوليو/ تموز من كل عام للعنوان الذي استحوذ على إعجاب محكم واحد على الأقل بشكل كامل.

على عكس توقعات الناشرين

المدهش في رواية بريتي أنها لم تحظ برضى الناشرين، فمنذ عام 2013، وقت الانتهاء من مخطوط روايتها الأولى “نحن أولئك الشباب”، لم تتوقف عن إرساله للعديد من دور النشر ولا تتلقى ردًا!

تقول بريتي إنه كان هناك “صمت يصم الآذان تمامًا”. وأخيرا، بعد ثلاث سنوات تقريبا، أي في عام 2016، وافقت على المخطوط دار نشر صغيرة مستقلة “Galley Beggar Press”، وهي الناشر نفسه الذي سبق أن اكتشف أيضًا الروائية الإيرلندية الأصل إيمير مكبرايد والتي حصدت العديد من الجوائز عن روايتها الأولى “البنت شيءٌ بنصف هيئة”. في ذلك الوقت، يقول مدير بيع الكتب إيلويز ميلار: “عندما أرسلت بريتي إلينا روايتها لأول مرة، وكان ذلك بعد تاريخ من الرفض الشاطح من دور النشر، فقد استشعروا تقريبا أن كتابتها وإن كانت غير عادية على نطاق عالمي، إلا أنه من الصعب أن تحقق نجاحًا تجاريًا” غير أن رواية بريتي “نحن أولئك الشباب” جاءت على عكس توقعات الناشرين إذ فاقت أفضل الكتب مبيعًا مثل رواية “إلينور أوليفت على خير ما يرام” للكاتبة جايل هانيمان، و”كيف تكون إنسانا” لبولا كوكوزا، الصحافية في الغارديان.

الملك لير يعود مجدداً

رواية بريتي تانيجا الأولى “نحن أولئك الشباب” هي إعادة تصور لرائعة شكسبير “الملك لير” في الهند المعاصرة. وهذا ما ذكرته التايمز الإيرلندية؛ فالرواية تستلهم الموضوعات الرئيسة لمسرحية شكسبير، وتضعها في مواجهة أعمال الشغب لمكافحة الفساد عام 2011 في الهند. وكانت بريتي قد درست بالفعل مسرحية “الملك لير” وانتبهت لجمال اللغة وصرحت للغارديان: “لقد علمتني ما يمكن أن تفعله الكلمات.. إنها المرة الأولى التي أسمع فيها أحدًا يتحدث عن الانقسام من خلال الأدب، وقد نشأت فيه كجزء من تاريخ عائلتي، وكان له تأثير كبير عليّ”.

تتناول الرواية قصة سقوط أسرة حاكمة، “عائلة ملياردير”، أسرة غارقة في الفساد والعنف وتمزقها الصراعات الداخلية، والخداع والأكاذيب… وتجد صدى لدى كل شخص يناضل من أجل التعايش مع النظام العالمي الجديد – من صعود اليمين الديني في الهند إلى سلالة ترامب في الولايات المتحدة الأميركية. فهي ليست مجرد إعادة توظيف لشكسبير في عصرنا: يعود جيفان سينغ، الابن غير الشرعي لعائلة ديفراج، إلى منزل طفولته بعد غياب طويل – ليشهد استقالة رب العائلة العجوز الهرم من الشركة الضخمة التي أسسها- “شركة ديفراج”- بشكل لم يكن متوقعا. وفي اليوم نفسه، تهرب سيتا، ابنة ديفراج الصغرى، وترفض الرضوخ للزواج بناءً على رغبة الأب الملحة. في هذه الأثناء، يجب على “رادها” و”غارغي”، أختي سيتا الأكبر سنًا، التعامل مع تلك التداعيات… وهكذا يبدأ صراع وحشيّ مميت على السلطة، يمتد في الفنادق الفاخرة والمنتجعات الصحية في نيودلهي وأمريستار، وقصور ونابورثالا في سينغار وكشمير. كل هذا في نثر مدهش – سيل متدفق من الكلمات والتصوير. “نحن أولئك الشباب” هي الملك لير المعاصر الذي ينفجر بالطاقة والغضب الجم على خلفية الاحتجاجات ضد الفساد في 2011-2012، كما تقدم رؤية مذهلة عن الهند الحديثة، وصراع الشباب وكبار السن، بوتيرة الحياة المحمومة في واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم – مع شبح تواجد الموت الدائم.

لأجل تلك الكتابة كانت الجائزة

وصف المحكمون رواية بريتي بأنها عمل “مذهل” في “رؤيته وطموحه ومهارته وحصافته”. وتحكي الكاتبة والمؤلفة سارة بيري ما حدث عقب قراءة المحكمين لـ”نحن هؤلاء الشباب”: “جلست أنا وزملائي من المحكمين نهز رؤوسنا قائلين: إذا كانت هذه هي روايتها الأولى، فما هو العمل المذهل الذي قد تكتبه بعد ذلك؟ إنه النثر الحسي، المعبق والمتعدد الألوان، مثل سلة حلوى الزفاف، مع جواهر من الشعر الخالص”.

وفي مقالها لصحيفة التايمز الإيرلندية Irish Times، وصفتها سارة غيلمارتين بأنها “صورة رائعة عن الهند المعاصرة”، و”بالنسبة لكاتبة جديدة نسبيًا، فهي أستاذة في التناقض… إن الحس الأخلاقي القوي بكتابتها أدمجته بمهارة في روايتها من خلال الشخصية والحدث”.

كما ذكر دالاس ماندرسون: “إن كتاب تانيجا هو بالضبط نوع الرواية التي أُنشئت الجائزة لاكتشافها والترويج لها؛ هذه الرواية الأولى البارعة لم تحظ بالاهتمام والاستحسان واسع النطاق كما تستحق بحق.. أملنا هو أن يساعد الفوز بالجائزة على ضمان مستقبل بريتي الطويل الأمد باعتبارها مؤلفة بارعة، ونحن على يقين من أنه سيكون مستقبلًا مشرقًا”.

وأضاف “من دواعي سروري بشكل شخصي، أيضًا، أن نشهد النجاح المستمر لدار النشر Galley Beggar Press. فأنا على يقين بأن ديزموند إليوت، الذي أنشأ دار نشره المستقلة، أرلينغتون بوكس، وكرس حياته المهنية للترويج للكتاب الجدد، سيسعده أن يرى أن الجائزة التي تحمل اسمه، تعزز المؤسسات المماثلة الصغيرة للغاية، لا سيما وأنها المرة الثانية التي يحالف الحظ نفس الدار في الاختيار”.

أيضًا تحدثت بيري وزملاؤها في لجنة التحكيم عن إعجابهم بالأعمال الثلاثة في القائمة المختصرة ووصفوها بأنها “شجاعة وطارئة عن الطريقة التي نعيش بها الآن”. وقالت بيري، مؤلفة كتاب “أفعى إسكس”: “لقد أدهشنا كيف يمكن لثلاثة كتب مختلفة أن تتعامل مع مواضيع الوحدة والعزلة وتعلق عليها”.

كانت تانيجا قد كتبت باكورة نتاجها الروائي “نحن أولئك الشباب” أثناء عملها في نيودلهي وكشمير مراسلةً لحقوق الإنسان، وهناك حوار أجري معها عقب إدراج روايتها في القائمة الطويلة في إبريل/ نيسان الماضي تحدثت فيه عن السنوات التي استغرقها البحث من أجل كتابة الرواية وعن تجربتها المؤسفة مع دور النشر، ونصحت أي كاتب طموح بضرورة الثقة بالنفس، والإكثار من شرب المياه!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى