أعيـدوا لـنـا الاستـعـمـار . . !

أعيـدوا لـنـا الاستـعـمـار . . !
موسى العدوان
من القصص الواقعية التي عايشتها خلال خدمتي في #القوات #المسلحة القصة التالية : في أوائل الستينات من القرن الماضي كنت مع زملائي خريجي الكلية الحربية وبعضا من الزملاء الذين قبلنا من خريجي مدرسة المرشحين، نحمل رتبة ملازم في القوات المسلحة، وكانت رواتبنا تتراوح بين 15 و 19 دينارا في ذلك الحين.
كان المتزوجون منا يسعون للحصول على #منزل مستأجر، من المنازل التي بناها #الجيش في منطقة الشميساني، ماركا، والزرقاء، حيث تؤجر لمن يحالفه الحظ ويحصل على أحدها بمبلغ لا يتجاوز الدينارين، في الوقت الذي كان به المنزل المشابه في المدن يؤجر ب 7 – 10 دنانير، وكان هذا مبلغا كبيرا علينا.
فكانت أمنية كل ضابط متزوج في الجيش، أن يحصل على أحد هذه المنازل بغض النظر عن المنطقة. وكان من يرغب باستئجار أحد المنازل، يتقدم بطلب مكتوب عن طريق وحدته إلى رئاسة الأركان، لدراسته ووضعه على قائمة الدور. ولكن كثيرا ما كانت تتدخل الواسطة في تخصيص هذه المنازل نظرا لمحدودية أعدادها.
في أحد الأيام عُقد اجتماع موسع للضباط من مختلف الرتب في الجبهة الشرقية، التي يقودها اللواء الشريف ناصر بن جميل، صاحب الشخصية القوية والمرعبة، والتي كان يهابها كثير من العسكريين والمدنيين الرسميين وغيرهم، وذلك للاستماع إلى توجيهات من سيادته. تحدث الشريف في الكثير من الأمور العسكرية التدريبية والانضباطية.
وفي نهاية المحاضرة سأل إن كان هناك أي سؤال من الحضور، فلم يستجب للطلب سوى ضابط برتبة ملازم، وهو معروف للجميع بجرأته وبلاغته، ولا أرغب بالإفصاح عن اسمه لأنني لم استشره بالنشر. ولكنه استقال من الخدمة العسكرية فيما بعد برتبة عقيد، ودرس في الجامعات البريطانية ليحصل على شهادة الدكتوراه، ثم عمل في مؤسساتها، ولا يسعني اليوم إلاّ أن أتمنى له الصحة والعمر المديد.
سمح له الشريف بالحديث فقال : ” سيدي أن ترجعوا لنا الإنجليز ليعيدوا استعمارنا من جديد “. استغرب الشريف وجميع الحضور هذا الطلب، إذ كيف يطلب عودة الاستعمار ونحن جازفنا بطرده قبل سنوات معدودة. فسأله الشريف : ما هذا الطلب الغريب بعد أن خلصنا من #الاستعمار ؟
أجاب الضابط : ” لكي يحققوا العدل بيننا “. وأضاف أنني تقدمت لاستئجار أحد منازل الجيش منذ سنوات طويلة، وكلما وصلني الدور على القائمة، يُعطى المنزل لغيري. فأصدر الشريف أمره بتخصيص منزل له بالأجرة وليس بمكرمة.
تذكرت هذه القصة البسيطة التي حدثت قبل ما يقارب ستة عقود، وأنا أشاهد وأقرأ وأسمع اليوم قصصا كثيرة، عن تجاوز العدل في مختلف مفاصل الدولة، رغم وجود وزير ووزارة كبرى تحمل عنوان ” وزارة #العدل “. ولكنهم يتناسون قوله تعالى : ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ). فهل من الحكمة أن نكرر اليوم طلب صاحبنا الذي أطلقه في ستينات القرن الماضي : ” أعيدوا لنا الاستعمار ” ليحقق العدل بيننا . . !
التاريخ : 17 / 6 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى