لقد ظل عطيل أسودا وصار بلال سيداً / د . ديمة طهبوب

لقد ظل عطيل أسودا وصار بلال سيداً

تعتبر مسرحية عطيل من أروع التراجيديا الشكسبيرية، ليس لقصة الحب الحزينة التي تقدمها ولكن لمناقشتها لدقائق العنصرية والتحيز التي لا تقبل فهما ولا عدلا مهما قدمت لها من أدلة انتماء وعطاء وتقارب في مجتمع قد يتطاول في البنيان المادي بينما يتضاءل في البنيان الروحي!
عطيل كان قائدا عسكريا فذا حقق لفينيسيا انتصارات كبيرة، وكان خطيبا مفوها يأخذ بعقل الرجال ذوي الشكيمة، والنساء المخدرات في البيوت اللواتي رأين فيه رجولة مختلفة عن أبناء جلدتهن المنعمين البرجوازين، فكان أن آثرته بالحب والزواج سيدة في قومها فأغرت بذلك حقدهم وأطلقت ثأرهم.
قدم عطيل كل معطيات الخدمة والتفاني، وبزّ كل الاقران الآخرين، ولكنه ظل أسود مختلفا يدور وصفه بين الشيطان والحيوان دون أدنى تقدير لإنسانيته وانجازاته حتى تحقق للمجتمع ما أراده من الاجهاز التام عليه!
لقد بلغت فينيسيا قمة التفوق الاقتصادي، وكانت حاضرة من حواضر اوروبا، الا ان هذا النوع من المدنية والازدهار الاقتصادي كان في عمران المكان، لا في عمران نفس الانسان وظل المجتمع عنصريا منحازا يرى بعض افراده انفسهم الأمثل والاصلح دون التقاء مع الآخرين او احترام لحقوقهم!
يأتي مثال سيدنا بلال على النقيض تماما، ليس فقط في ادماج المختلف والقبول به في الهوامش، وإنما في تصديره لمحور وقلب تكوين المثال والقدوة والفاعلية ليصبح عمل الانسان مناط الحكم عليه وتقديمه، لا اشياء فرضت عليه لا يملك تغييرها كلونه.
مجتمع بلال كان يحتفي بالتنوع، وأصبح اللون الذي كان سببا في العبودية لونا محايدا لا معنى له الا بالتقوى.
ان قصة عطيل ونوعية المجتمع المدني الذي عاش فيه تثبت ايضا ان بعض العقول لا ترضى بالآخرين مهما حاولوا اثبات المصداقية، ومهما قدمنا لهم من حسن النوايا لأنهم سيظلون في قوقعة الانحياز والعنصرية لا يرون بغيرهم الا العور والعوج!
بينما مجتمع بلال حيّد الالوان والمؤثرات وجعل لسان الحال والفعل الفيصل في القبول او الرفض، التقييم كان على جني اليدين لا لونهما او اي اختلاف آخر، والمختلف لونا بالخلق أصبح متناغما متناسقا في لوحة اسلامية صهرت حدة الاختلاف لدعم قوة الاتفاق، لم يعد هناك أقلية تستحق الشفقة لاختلافها، وصار الاختلاف عنصر قوة لأصحابه بعملهم.
لقد ظل عطيل أسود ومرفوضا حتى موته، وفي ذلك رسالة ان بعض الناس لا يقبلون بالغير الا ان يخرجوا من جلدهم، فالقوة تغري بالفرعنة ما لم تتهذب بالدين والاخلاق ثم تعزز بالقانون، وبعض الناس لن يقبلوك مهما فعلت وقدمت، فانظر لمن تضحي بفرادتك وبعض عناوين تميزك، وهل يستحقون ذلك، وهل يمكن ان تلتقوا على كلمة سواء؟!
ان المدنية غير المهتدية برؤية ربانية وبشريعة سماوية ستضل وتُضل، وتبقي على جذور الصراع بين من يقدمون أنفسهم كمعيار تقاس به الاشياء و ينظرون الى غيرهم كشواذ للقاعدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى