لعين الحرسة / يوسف غيشان

لعين الحرسة
سمعت الأولاد في الصف يتبجحون … كانوا يتحدثون عن شيء لا أعرفه، يتحدثون حول شيء يسمونه ( الشلن ) ، وكانوا ينسبون له قوى سحرية خارقة ، فما أن تبرزه أمام التاجر حتى ينحني لك احتراماً ويصافحك ( مخامسة ) ، ويتعامل معك لكأنك شيخ عشيرة ، وليس مجرد طفل فلعوص ،كما يقيّمك الأهل والأساتذة ، يقودك التاجر في ( مارش ) احتفالي بين مطربانات الحامض حلو والكعيكبان وسحبة المصاص اللي بتربح تعريفة مصدية بداخلها .
أما صاحب المطعم المجاور لباب المدرسة ـ فانه يعطيك ما ان يرى الشلن يثغو في يمينك ، رغيف ساندويتش فلافل عملاق تفوح منه رائحة الروعة ويعيد لك ( قرطة ) . بائع الهرايس المتجول كان على استعداد ان يقايضك الشلن بمسطرين هرايس أطول منك بشبر كامل .
الأكثر روعة هو يباع ( الاسكيمو جلاس ) الذي كان يلاعبك ( فنّةْ ) على كل تعريفة: عرب / إنجليز … عرب ، حالفك الحظ تشبع اسكيمو حتى تتنفخ زلاعيمك ويعود الشلن إلى قواعدك سالماً غانماً .
كنت أظن أن الأولاد يكذبون ، لكن احدهم أخرج من جيبه كائناً لامعاً مستديراً وطيّره في الهواء ثم حاول التقاطه ، فوقع من كفّه محدثاً دوياً موسيقياً لما عانق البلاط ، وقبل أن أشبع ناظري منه كان قد التقطه وأعاده إلى جيبه بشكل استعراضي .
خرجت من الصف مذهولاً ، وقد عقدت قررت الحصول على هذا الكائن العظيم حتى لو فقدت روحي مقابل ذلك . بعزيمة استشهادية قابلت أمي وجهاً لوجه … نظرت في عينيها .. مباشرة للمرة الأولى في حياتي بكل صراحة وشجاعة وسؤدد وقلت :
– بدي شلن !!
– شو وووه ؟؟؟
أصيبت أمي بسكتة دماغية لعدة ثوان ، ثم بدأت تقهقه بشكل هستيري :
– بَدي شلن ! .
لم تستطيع أمي الصمود، سقطت على الأرض وتمرمغت في التراب من شدة الضحك .
– بَدي شلن !!
غابت أمي عن الوعي ، رشّوا عليها الماء من جردل الدجاج فانتفضت وهي ترمش بكثافة .
– بَدي شلن !!
نظرت أمي في عيني وبحلقت فلم تشاهد سوى الإصرار والصمود، فقررت مقاومة النار بالنار فتناولت ( مقحار ) الطابون ( وصهدتني ) في الجبهة .
– بَدي شلن !!
نتعتني بالقصيبة التي تكش بها الدجاج على أسناني فأزالت الصف الأمامي .
– بدي ( ثلثن ) !!
ضربتني بيد المهباش بين أكتافي ، كدت أسقط على الأرض لكني تمالكت نفسي وقلت بفم ملآن بالدم :
– بدي ثلن
استخدمت أمي كافة الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وطاردتني براً وبحراً وجواً ، لكنني لم أتراجع قيد انملة .
– بدي ( ثلثن ) !!
انهارت مقاومة الوالدة الرؤوم … طالت ( صرّة ) شرائط من ( عُبها ) فكّت العقدة الأولى ، فالثالثة ، فالعاشرة ، و فظهرت مجموعة من القطع المعدنية المتباينة الحجم واللون معظمها ذات لون بين فاتح يميل إلى الاحمرار ، وظهر بينها ( شلن ) لامع .
نظرت أمي إلي بصرامة شديدة .. هذه المرة إلى عيني مباشرة ، وهي تناولني الشلن ،وقالت بإصرار اشد من اصراري .
– هاذا ( شلن ) خذه .. أما شوف يا لعين الحرسة !! والله والله والله إذا صرفته لأفسخك فسختين .
من كتابي(برج التيس)الصادر عام1999

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى