لسعة سيجارة / روان ضيا

لسعة سيجارة
لم أفكر يوماً بالثمن الذي سأدفعه من وراءِ التجربة، لم أكن أريد المضي على هذا النحو، أردت فقط أن أتحلى أمامهم بالرجولة، لم أرغب أن يطلقوا علي لقب الجبان.

كنت أبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، حين جربت أول سيجارة، لم أحب يوماً رائحة السجائر وخاصة أن أمي وأبي غير مدخنين، وبالرغم من عدم رغبتي أن أصبح مدخناً، إلا أن السيجارة الأولى تبعتها سجائر عديدة، فدائماً كنت أشعر بحاجتي للتدخين في أوقات الدراسة، والسهر مع أصدقائي، وفي اللحظات التي كنت أشعر فيها بالغضب.

استمر الحال على هذا النحو سنين عديدة، وفي عامي الخامس والعشرين تعرفت على فتاة وأعجبت بها، تغيرت كثيراً بعد أن وقعت بحبها، كانت تشبه كثيراً أطباع عائلتي وتفكيرهم، حتى في كرهها أيضاً للتدخين، فقد كانت تعاني من الحساسية المفرطة من دخان السجائر والروائح العطرة.

أذكر أني حين تقدمت لخطبتها كان طلبها الوحيد أن أحاول التوقف عن التدخين، وهذا ما تمنيته دوماً، ولكن إرادتي كانت ضعيفة جداً، وبعد شهور عدة تم زواجنا.

مقالات ذات صلة

حملت زوجتي بعد زواجنا بشهر، لم أشعر بالسعادة تغمر روحي بهذا القدر من قبل، أحببت الأطفال منذ صغري، وكنت أشعر دوماً بالمسؤولية تجاه أخوتي الصغار.

قررت في ذلك الوقت أن أقلع عن التدخين، لم أرغب أن يكبر أبني ليراني قدوة سيئة أمامه، تركت التدخين تدريجياً بصعوبة ونجحت في ذلك لأكثر من ثلاث سنوات.

كان ابني في سن الرابعة من العمر حين حملت زوجتي مجدداً، كانت حياتي تسير على أفضل ما يرام، إلى أن واجهت مشاكل كثيرة مع مديري ترتب عليها تقديم استقالتي، لأبدأ رحلة البحث عن عمل جديد.

لم أتوقع أن تغلق الأبواب في وجهي بهذا النحو، فلقد كانت خبرتي طويلة في العمل ولدي مؤهلات عالية، إلا أن الوضع الاقتصادي السائد كان صعباً على البلد بأسره.

في تلك الفترة بدأت بالعودة تدريجياً إلى التدخين دون علم زوجتي، إلى أن أصبحت أدخن في السيارة حين نخرج معاً، ليتطور الأمر لأدخن أيضاً في المنزل، فالفراغ الذي كنت أعاني منه، بالإضافة إلى المسؤوليات التي تقع على عاتقي كانت ترهقني ليلاً ونهاراً فلا أعرف طعم النوم ولا الراحة.

ازدادت شراهتي في التدخين إلى أن وصل بي الأمر لأدخن أربعين سيجارة في اليوم، كان ابني يقول لي دوماً بابا أنا لا أحب رائحة الدخان، في حين أصبحت أنا وزوجتي على جدال مستمر.

مضى عامين لم أستطع فيها أن أحصل على عمل بشهادتي، عملت في ذلك الوقت بعدة محلات، إلى أن مللت وفقدت الأمل، وقررت الجلوس في المنزل.

لم أكن قادراً على تحمل مصيبة جديدة في حياتي، لم أكن قادراً على الصمود في ذلك الوقت، ولكن ما لم أحسب له حساباً أن يتدهور وضع طفلي الصحي، فأصبح سعاله لا يطاق، إلى جانب شكواه من ألماً في الصدر.

كنا نداويه بالأدوية المضادة للالتهاب وأدوية السعال، إلى أن ازداد وضعه سوءاً وبدأ يخسر الكثير من الوزن، لنكتشف بعد ذلك إصابته بمرض ” سرطان الرئة”.

كان وقع الخبر كالموت بالنسبة لي ولزوجتي التي ما أن علمت بالخبر حتى انهالت علي بالصراخ والشتيمة ، تحولت زوجتي من إمرأة محبة إلى زوجة كارهة لي، فاتهمتني أنني السبب نتيجة إهمالي وتدخيني في المنزل أمام أطفالي، لم أكن قادراً على تحمل الخبر، فكيف لي أن أتحمل كل اللوم وعذاب الضمير الذي أصبح يتملكني؟.

أصبحت حياتي سوداء لا ضوء فيها، أتمنى ليلاً ونهاراً أن أصاب بالمرض بدلاً عن طفلي، لا طاقة لي على تحمل خسارته والعيش من بعده.

بدأ علاج طفلي في ذلك الوقت، أجبرت نفسي على الوقوف إلى جانبه ودعم زوجتي وطفلتي، أقلعت عن التدخين، تحملت كافة الظروف والضغوطات، لم أكف يوماً عن السهر إلى جانبه، ولكن جسده ومناعته الضعيفة لم تكن قوية كفاية ليقاوم المرض، فبات وضعه تارة يسوء وتارة يتحسن.

بعد مضي شهور عدة ذقت فيها ألم الموت، أخبروني الأطباء بتحسن حالة طفلي ليتجاوز مرحلة الخطر، لم تسعني الحياة من الفرح، انتلقت به إلى المنزل بعد غياباً طويل نسيت فيها أجمل اللحظات التي قضيناها من شدة خوفي، كانت تجربة قاسية مررت بها ولكنها رغم قسوتها كانت ضربة لي لإهمالي، فبالرغم من أنها مشيئة الله ولكني كنت أعلم أن استنشاق الدخان لمن حولي ليس أقل ضرراً من التدخين، فهو يؤدي للعديد من الأمراض ويزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة لغير المدخن، ورغم هذا لم أمتنع عن التدخين رأفة بصحة بزوجتي وأطفالي.

ما حدث قد مضى وقد دفعت الثمن كثيراً ولكني اليوم شخص آخر اهتم بصحة زوجتي وأطفالي وبصحتي، في كل يوم أرى أبني يكبر أمامي فتدمع عيناي من الفرحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى