لا تشيطنوا التعليم / د.عساف الشوبكي

لا تشيطنوا التعليم

كل من يقف يعلم طلابه في قاعة تعليم وكان مؤمناً باهمية رسالته ومخلصاً لها فهو معلم ، سواء كان في التعليم العام ، في المدارس الحكومية او الخاصة او في المعاهد او المراكز ، واساتذة الجامعات وأتشرف أنني احدهم هم معلمون أيضاً.
ومهنة التعليم مهنة سامية هي مهنة الأنبياء والرسل والصالحين، وهي المهنة التي تسمو بالعقول الى أرحب الآفاق، وتبني الأجيال على أُسس سليمة وقواعد ثابتة ومعايير صحيحة في التنشئة والتربية والتوجيه والتعليم، وتفتح الآفاق واسعة للحصول على المعرفة والعلم والدراية في مختلف المجالات والميادين وهي مهنة مواكبة التطور والبحث والوصول الى الحقائق.
والدول التي تحترم نفسها وترتقي بحضارتها وتقدمها وتحافظ على كرامتها هي الدول التي وضعت الارتقاء بالتعليم نصب اهتمامها، وأسكنت المعلم في مكانه الصحيح ركناً اساسياً من أركان بنائها الحضاري وتقدمها العلمي والتكنولوجي ومنحته الاهتمام الذي يستحق وأعطته سبل الهيبة ، ومكنته من مهنته ، وبنت قدراته المهنية والتعليمية والتربوية، وجعلته في المقدمة، وفتحت أمامه الافاق للتطوير والابداع والتميز بما ينعكس ابداعاً وتميزاً وتفوقاً على طلابه ويبني علاقة متينة مع المجتمعات المحلية.
والدول التي تبني سياساتها التعليمية على أسس قوية واضحة المعالم من خلال التشريعات والقوانين والانظمة المتوازنة الناظمة للعمليات التعليمية والتربوية للنهوض بعناصر التعليم ، الطالب والمعلم والمنهاج والمدرسة والتجهيزات والبيئة التعليمية ، استطاعت النهوض في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية والزراعية والتجارية، وازدادت صاداتها ونواتجها القومية وقوتها العسكرية، وبنت المشاريع العملاقة ونهضت بمجتماعتها ووفرت فرص العمل لشبابها واستطاعت بناء المزيد من المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحث العلمي المتطورة .
ومهنة المعلم في هذه الدول محترمةٌ ومقدرةٌ كما كانت عندنا في عقود سلفت ، وتهتم بها الدولة وتعني بها، وكان المعلم عندنا في مقدمة الصفوف اجتماعياً من حيث الاهتمام التقدير والاحترام .
وهذه المهنة مهنة ( المعلم) تختلف عن اي مهنة او وظيفة اخرى ولا يجوز ان نقارنها بغيرها من الوظائف والمهن ومن غير الممكن اشراكها مع غيرها بقانون او نظام او تعليمات ، وكذلك لا يمكن إيجاد تشريعات جامدة بعيدة عن الواقع وتكيِّيفها وتطبيقها على كل الوظائف والمهن في الحكومة الا في فيما هو مشترك بينها لان غالبية الوظائف تختلف فيما بينها في اداء عملها ، اذ لكل مهنة او وظيفة طبيعتها الخاصة وفنياتها وأدواتها ووسائلها المختلفة وجمهور المستفيدين او متلقي الخدمات .
ومهنة المعلم كوظيفة مختلفة جذرياً عن الوظائف الأخرى التي لا اقلل من أهميتها، وعليه لا يجوز باي حال من الأحوال التضييق على المعلمين في طبيعة عملهم ودوامهم وخلق فتن واستجرار خلافات مع ممثليهم تؤثر سلباً على العملية التعليمية والتعلمية في المملكة، ولا يعني ما أقول ان لا يلتزم المعلمون بعملهم، وان لا يقوموا بمهامهم على احسن وجه ، او انهم غير ملتزمين ، بل على العكس تماماً، فهم قمة الالتزام وهم القدوة والنخبة وهم قادة الأجيال الى المستقبل الافضل الذي ننشده لوطننا،
ولذلك على الحكومة ان لا تشيطن المشهد التعليمي من خلال أذرع رعناء وأبواق إعلامية تابعة جاهلة تخلط الأوراق وتحاول تضليل الرأي العام، وتسيء لهذه الشريحة الكبيرة والمحترمة من المواطنين، والخاسرون الوطن ونحن وأبناؤنا ، ويجب علي الحكومة ان تعود الى الرشد والصواب والحكمة في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الا والوطن على حد سواء ، وان تدعم المعلمين بدل معاداتهم وان تنتهي عن التضييق عليهم وان تُنهي هذه المماحكات السلبية عديمة الفائدة والجدوى ، وتتوقف عن زج النواب التابعين لها الى واجهة الصدام مع المعلمين، وان توقف تغول وظلم ديوان الخدمة المدنية للمعلمين المبني على الجهل وعدم الدراية بهذه المهنة المقدسة ، وغير ذلك التعليم كله في خطر ، لان الحكومات المتعاقبة اهملت المدارس الحكومية وخاصة مدارس الذكور وجعلت المعلم والطالب في ذيل اهتمامها، لذلك وحسب وزير التربية والتعليم السابق هناك اكثر من130 الف طالب في الصفوف الاساسية الاولى لا يجيدون القراءة والكتابة وهذا الرقم في زيادة مستمرة ، اضافة الى ضعف مخرجات التعليم العام في مدارسنا بشكل عام ومدارس الأطراف بشكل خاص وتلك التي لم ينجح منها احد، وهذا الفشل تتحمله الحكومات المتعاقبة وسياساتها وخططها وبرامجها الفاشلة.
والآن تدخل الحكومة الحالية بعد إخفاقها باخراج الوطن من عنق الزجاجة في صراعات عبثية واستفزازية مكشوفة الأهداف مع المعلمين وتحاول الزج بمجلس النواب من خلال بعض النواب المتبنين دائماً لموقفها لحرف بوصلة اهتمام المواطنين عن فشلها في ادارة الوطن وحل مشكلاته، وأهمها الفقر الذي تفاقم والبطالة التي تضاعفت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى