” خطأ قاتل ” / د . محمد شواقفة

” خطأ قاتل ”

كان واسع الثقافة معتدا بنفسه ….لا يدانيه أحد من أقرانه في عدد الكتب التي قرضها في سنوات حياته …. كان بدون شك قد امتلك زمام اللغة و بدأ يشعر بأنها باتت تطيعه أكثر مما أنها تتحكم به … لم يدرك يوما أن بعضا من كبر و غرور قد بدأ يسكن نفسه و بات يتيه في الأرض خيلاء و ترفعا….
كان له صديق قليل الكلام …. يستمع اكثر بكثير مما يتكلم … لا يضيره ما يسمعه من نقاشات او شجارات او مناكفات او سمها ما شئت …. لم يك صاحب أثر أو تأثير فهو بالكاد يفتح فمه لغير الأكل أو التنفس أو عند طبيب الاسنان.
ترافق الاثنان في رحلة عبر النهر في قارب صغير …. تنبه صاحبنا المثقف
ان السماء مكفهرة و ربما تجلب مطرا أو ربما عاصفة …. لكنه يعرف ان صاحبه لن يلقي بالا لما سيقول …. و انطلقا يمخران عباب النهر الهادئ الذي بدت امواجه في حالة تأهب لتثور …. لم يظهر كثير من الخوف و القلق على الأخير …لا لشجاعة و رباطة جأش و لكن لربما لعدم اكتراث و ربما ايمان بالقدر و المصير أو خليط من الحالتين ….
راح المثقف في حالة من الهروب من المخاوف و الوساوس يفتح حوارا هادئا رزينا…. بدأ ينظر للشمس التي توارت خلف الغيوم السوداء …. فسأل صاحبه الهادئ : “هل تعرف …؟! و لا أظنك
تعرف …. أن الشمس التي تبعد عنا سنين ضوئية تزودنا الدفء و الضوء و ستستمر بذلك دون انقطاع …لكن اذا انحرفت عن مدارها فستنتهي الحياة ”
نظر اليه صاحبه و هو يشيح بوجهه بعيدا يراقب اقتراب العاصفة … : “و من أين لي أن أعرف ذلك … أنا شخص بسيط … و لم أفكر يوما بأن الشمس تتحرك ؟!”
ضحك المثقف باستهزاء : ” اذا …انت غبي بنسبة 25٪”…
ساد صمت مريب و بدأت السماء تدوي بصوت رعد رهيب يتبعه برق يكاد يقسم السماء الى قطع غير متساوية …. عاد المثقف الذي اعتراه الخوف اكثر هذه المرة و سأل : هل تعرف لماذا يسبق ضوء البرق صوت الرعد ؟! … لا أظن أنك تعرف ؟! … فقال صاحبنا الذي بدأ يضيق ذرعا بالهواء الذي يحرك القارب بدون انتظام: و من أين لي أن أعرف ذلك !! لا بد أن لذلك تفسير و لكن اتمنى ان لا يتبع ذلك مطر غزير فيغرقنا … ضحك بعصبية واضحة : إذا ، فأنت غبي بإمتياز بنسبة 50٪ .
بدأت العاصفة تنال منهما و راح القارب يلاطم الامواج و ماء المطر يملأ القارب و يثقله … و باتت الحركة صعبة جدا … لكن صاحبنا المثقف راح يسأل مستفهما: “هل تعرف كيف يتشكل المطر ؟!! … ليس لدي شك بأنك تجهل ذلك !… ” أجاب صاحبنا الذي كان منهمكا في التخلص من الماء الذي بدأ يملأ القارب : “و من أين لي أن أعرف ” …. “ألا ترى ما نحن فيه “…. فقال له : ” لم أعرف أنك فعلا على هذا القدر من الجهل … اذا أنت غبي بنسبة 75٪ ”
و فجأة اهتز القارب و كاد ينقلب و لكنه كما يبدو أن المسافة ليست بعيدة عن الشاطئ لحسن الحظ … ” الأمر يبدو خطيرا …. لا يمكننا فعل شئ سوى السباحة بقية طريقنا”
عندها انتفض صاحبنا المثقف مرة أخيرة : ” و لكنني لا أتقن السباحة …. لا بد أنها النهاية ”
نظر إليه صاحبنا بحزن و إشفاق: ” إذا …. عرفنا يا صديقي من هو الغبي بنسبة 100٪ ”

” دبوس على الغباء ”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. فعلا اصبت عين الحقيقه في زمن الرده من لا يعرف السباحه لا تلزمه السباحه في البحر بعيدا عن الشاطىء

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى