“كمستير” / سهير جرادات

“كمستير”

سهير جرادات

في طفولتنا كانت اللعبة الشعبية المعروفة ب ” كمستير” أو ” الطميمة ” من أجمل الالعاب ، المحببة إلى قلوبنا ، وهي لعبة ترتكز على شخص يقوم “بتغماية” عيونه ، ويقوم بالعد من واحد إلى عشرة، ليتيح المجال لبقية اللعيبة، لكي يختبئوا في أماكن بعيدة عن نظره ، وفور أن ينتهي من العد يبدأ بالبحث عنهم في مخابئهم ، وما أن يجد واحدا منهم حتى يصيح بأعلى صوته : “كمستير زقتك ” ، ويسرع راكضا نحو المكان الذي انطلق منه ليلمسه بيده، معلنا أنه “زقط ” اللاعب الذي يكون قد خسر بذلك ، وأما إذا لم يحالفه الحظ وقام أحد” اللعيبة” بلمس مكان الغماية قبله فيكون بذلك هو الغالب .

لم تعد لعبة ال ” كمستير” مقتصرة على ألعاب الأطفال ، بل تطورت وأصبحت لعبة الكبار ، وتمارس على نطاق واسع وعالي المستوى ، حتى أنها وصلت إلى الحكومة ، التي أخذت تلعب مع المواطنين لعبة ال” كمستير” ، وتتصيد لهم في حال تجرأ أحدهم وفتح فمه بكلمة أو اعترض على قرار أو لديه نية للاعتراض على رفع الأسعار أو فرض رسوم جديدة أو نية رفع ضريبة الدخل ، حتى تبادر الحكومة إلى ” كمسرة المواطن ” ، ليس ذلك فقط، بل تلجأ إلى حبسه وتوقيفه على نية الاعتراض على قرارات الحكومة بحق المواطن من رفع الأسعار والسلع بصورة جنونية ، أو رفع تعرفة الكهرباء أو أسعار الخبر وغيرها .

مقالات ذات صلة

حتى لو كان لدى المواطن نية “التنفيس”، كما هو متعارف عليه في علم النفس بأنه نوع من أنواع تفريغ الغضب الداخلي ، والتعبير عن مدى انزعاجه وسخطه عما يدور حوله من أحداث تثير غضبه الهامد داخل ضلوعه، فيظهر ما يجول بداخله إما بضحكة أو مزحة يضحك بها مع نفسه ، لرفض القرارات الجائرة التي تتخذ بحقه وتمس لقمة عيشه ،وهي أمور تكررت في أحداث غريبة داخل مجتمعنا مثل حادثة سرقة الماء أو الكهرباء أو عملية سطو ساذجة .

من الواضح أننا أصبحنا ساحة للعب ، وللتنافر بين طرفين (الحكومة والشعب) ، إذ تقوم الحكومة بإجراء القرعة لاختيار ” اللعيبة” ، ومن بعدها تدير وجهها إلى الحائط وتبدأ بالعد التنازلي لتنذر الشعب للاختباء والتواري عن العيون ، وتقوم فور الانتهاء من العد، وانتهاء المدة المخصصة للشعب من “التنفيس” عن نفسه ، بمرحلة المحاسبة والبحث عن المتنفسين ، لتبدأ عملية السباق بين الحكومة والشعب ، كل طرف يحاول أن يسبق الآخر للوصول إلى الحائط ،ليقوم بلمسه والضرب عليه قبل الطرف الآخر، ليعلن فوزه وانتصاره على الطرف الآخر، وإن كان الشعب صاحب الحظ السيىء، تقوم الحكومة بالكشف عن مكانه و”كمسرته”، يكون قد خسر ووقع في شباك الحكومة، التي تقاضيه على فعلته حتى لو كانت ” تنفيسة” .

وتبقى الدائرة تدور بين الحكومة والشعب ،كل طرف يريد أن “يزقط” الطرف الآخر ، ولا شك أن الدور الأصعب يقع على عاتق الحكومة المسؤولة عن تحديد مهلة التنفيس للشعب ، ومهمة “البحث والتنقيب” ، عن الذين تعدهم فارين من وجه العدالة، لمجرد أنهم اعربوا عما بداخلهم من كبت بمزحة أو نكته أو كلمة ساخرة ، بالإضافة إلى صعوبة ” حماية الحائط ” من أي فرد من أفراد الشعب يحاول أن “يفلت بريشه”، أو يتذاكى على الحكومة ، وحتى في حال توارى الشعب المسكين وبقي مختبئا، فالحكومة هي الفائزة .

لعبة ال” كمستير أو الطميمة ” سواء اللعبة الحقيقية ، أو اللعبة التي تلاعب بها الحكومة الشعب ، لا نهاية لها ، حيث يتناوب اللاعبون عملية العد على الحائط، إلى أن يمل أحد الطرفين ، ويبقى الأمر على هذه الحال بين طرفي اللعبة ،إما أن يمل الشعب ، أو أن تمل الحكومة وتستسلم لإرادة الشعب ..!!

Jaradat63@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى