كلمة….وردّ غطاها / يوسف غيشان

كلمة….وردّ غطاها

عام 1988 حصل انقسام كبير بين مستشاري جورج بوش الأب، خلال إعداد خطبة القبول التي كان سيلقيها في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، كان محور الانقسام بين المستشارين وعباقرة الإعلان والإعلام وجهابذة إدارة الحملات الانتخابية، هو مدى فعالية إضافة عبارة شعبية معروفة من أفلام هوليوود، كان يكرّرها باستمرار بطل أفلام الآكشن كلينت إيستوود، وتحديداً في فيلم (هاري القذر)، حيث كان إيستوود يكرّر عبارة: «اقرأوا شفتي».
كان بعض المستشارين يريد أن ينحت عبارة جديدة، حيث يقول الرئيس : « اقرأوا شفتي .. لا ضرائب جديدة» .. ويدافع هؤلاء عن رأيهم بأنّ هذه العبارة الشعبية تؤدّي لدى سامعها إلى تفعيل شبكة عميقة من الارتباطات الذهنيّة الموجودة مسبقاً، ( وهي ارتباطات إيجابية بالضرورة تعني الالتزام التامّ والكامل بما يقول).
المهمّ، ومن أجل إزالة أسباب التوتر والاختلاف بين المستشارين، تم تلبيس هذه العبارة، وتجييرها في خطبة نائب الرئيس، وصارت في ما بعد من أشهر وأهمّ ما نطق به.
في ما يلي أنا لا أدافع إطلاقاً عن بوش الأب ولا الابن ولا روح إبليس، لكنّي أحاول استعراض ماذا تعني تلك الكلمة هناك وما تستثيره من ارتباطات ذهنية لدى السامع الأجنبي، وما تفرضه من التزامات على قائلها هناك، في بلاد الفرنجة، وبين ما يمكن أن تستثيره لدينا نحن، وما تفرضه علينا من التزامات ( قال التزامات قال ؟) .
عندنا، هذه العبارة، لا تعني شيئاً على الإطلاق، ولا تحمّل المسؤول العربي أيّة التزامات، سواء أطلق وعوداً سياسية، بعدم التطبيع مثلاً، أو أطلق وعوداً اقتصادية بعدم المسّ (بالسين) بالأسعار، أو أطلق وعوداً اجتماعية بفرض الأمن والأمان وتعزيز دور المؤسّسات والقانون داخل الدولة، أو أطلق ريحاً .. أو أيّ وعد يخطر في بالكم، الآن أو في المستقبل «المشرق» والمغرب.
اعتدنا منذ قرون، وثبت في ذاكرتنا الجمعية، أنّ ما يقوله المسؤول هو عكس ما ينويه على الإطلاق، وأنّ أخشى ما يخشاه المواطن العربي هو سماع المسؤول يعد بعدم زيادة الأسعار مثلاً، لأنّ ذلك يعني زيادتها فعلاً، وأنّ الوعد بعدم التطبيع تعني تطبيعاً كاملاً شاملاً .. وهكذا جرّى .. !!
الكلمة عندنا لا تعني أكثر من نفخ الهواء بإيقاع معيّن، والإستعانة بالأوتار الصوتيّة واللّسان وجدار الحلق، من أجل اكتمال المعزوفة التي لا تعني، إلاّ مجرّد ظاهرة صوتيّة، فقط لا غير .
لا تكلفوا أنفسكم عناء قراءة الشفاه، فالمسؤول لا يلتزم، والمواطن لا يطالبه بالالتزام، لأنّ القاري .. والقاري واحد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى