كثرت العبي ورخصت الشيوخ / رامي علاونة

كثرت العبي ورخصت الشيوخ
منذ فترة، اثناء مطالعتي للصحف الالكترونية والصفحات الاخبارية لفت انتباهي اعلان في صحيفة الرأي يعود تاريخة الى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
كان الاعلان فريدا من نوعه، اذ يعلن فيه رجل أردني عن فقدان شئ من مقتنياته في سيارة تكسي، ويطلب ممن يعثر عليه تسليمه الى مخفر شرطة رغدان مقابل مكافأة حسنة.
لم يكن المعلن عنه حقيبة سامسونايت، أو شوال مصاري، او محفظة او جواز سفر، إنما كان الاعلان عن “عباءة” مفقودة…نعم عباءة! قطعة قماش، لا راحت ولا اجت، لو نظرنا لها من ناحية مادية.
قد يكون الامر مستهجننا وقد يقلب القارئ على ظهرة من الضحك على صاحب الإعلان لو كان في زمننا الحالي. لكن بالنظر الى الزمن الذي نشر فيه الاعلان، ندرك ان الرجل اضاع شيئا عظيما، فللعباءة رمزيتها في مجتمعنا الأردني وبعض المجتمعات العربية الأخرى.
كانت العباءات نادرة في مجتمعنا، ليس لعدم قدرة الكثير على شرائها وانما لمدلولاتها والمتطلبات الاجتماعية المترتبة على مرتديها.
كانت حكرا على الشيوخ وزعماء القبائل- اصحاب العقل والحكمة، رواد الرأي والمشورة وقضاة الدم.
كانت العباءة تستعار في الأفراح، وكانت العروس تفتخر اذا ارتدت عباءة عمها الشيخ فلان “يوم طلعتها”. كان صاحبها يقطع المسافات والحدود ليشتريها، وكان يجزي من وجدها إذا ضاعت.
تغيرت الأيام، وتبدلت الغزلان بقرود، ففقدت العباءة الكثير من قيمتها، بعد ان اصبحت وسيلة يستغلها البعض من أنصاف الرجال لإنزال أنفسهم مكانة شعبوية هم ليسو اهلا لها. أصبحت العباءة تباع على البسطات، وتهدى لقتلة الأطفال، وتلبس في حضرة الغاصب والمعتدي…لا عجب أن ذهب الكثير الى القول برخص العبي وكثرة الشيوخ، لكني شخصيا أرى العكس…فقد “كثرت العبي ورخصت الشيوخ”!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى