كتاب وحذاء وأبو بريص / يوسف غيشان

سرير عريض، بارد وصدئ،ساحة مربعة لا تتجاوز مساحتها الأمتار الستة، تخترقها ثلاثة تجاويف تسمى ابوابا، باب البيت الذي يفضي الى الداخل ، وهو مفتوح دائما ، والأصح انه ليس ثمة باب أصلا،ثم باب غرفة البيت الوحيدة، يعامده تجويف يسمى مطبخا. ومن الجهة الشرقية ثمة قطعة خيش تستر الداخل الى بيت الخلاء.
السرير في وسط الساحة،دخل سامي وناجي ، بلا حضور ولا دستور، كعادة الناس في حارتنا، على الأقل. فحجة واحدة وكانا عند رأس المريضة، وهي امرأة بالغة الإحترام والطيبة والكرم، لكن المرض الخبيث والفقر اقعداها.
نظرا لعدم وجود الكراسي جلست منار، ابنة المريضة الكبرى، وأمي على طرفي السرير، بينما كنت انا أعبث مع ابو بريص صغير يتمطى على الحائط الإسمنتي، اعترض طريقه بعود حبة اسكيمو التهمتها للتو، نتيجة موجة كرم عارم اصابت الوالدة قبل ان ندخل الى بيت المريضة،وكان العود هو الذكرى الجميلة الوحيدة التي احتفظت بها، بعد الطعم الأحمر الحلو الذي انساب على لساني قبل ساعة.
دخل سامي وهو خالي ، وإبن عمه ناجي ، وكان كل منهما يحمل كيسا ورقيا بني اللون.قامت منار عن السرير ، فاحدث ضجيجا عجيبا، حرّك “ابو بريص” رأسه بسرعة ثم اختفى فورا…قالت منار:
– اهلا وسهلا في قرايبي ..ليس مغلبين حالكو؟؟؟
فورا شعرت بأن الجو تكهرب ، وصار الهواء ثقيلا. شئ ما حدث لم افهمه، لكنني احسست به. اول من تحرك كان ناجي بوجه المحتقن الذي يشبه لون حبة الأسكيمو التي التهمتها قبل ساعة ونيف…تحرك ناجي الى الخلف ، امسك بيد خالي سامي ، وفي اليد الثانية كان الكيس الورقي، ثم قال وهو يأخد وضع الخروج من الساحة.
– سلامتها….منيجيكو مرة ثانية .
وخرجا، وخرجت امي معهما، وخرجت أنا طبعا. ما ان وصلنا الى الشارع حتى اطلق ضحكته العميقة بفمه المعوج ووجهه المحتقن، بينما كان خالي يذوب من الخجل، وقد تحول لون وجهه الى الأحمر الفاقع.
– فكّرت منار انه معنا واحب (طلّة) لأمها.

ثم سمعته يشرح لأمي بكلمات متقطعة بالضحك، بأن خالي يحمل كتابا اشتراه من مكتبة الكرامة، بينما يحمل هو حذاء أصلحه عند الكندرجي ابو نجيب ….زوج المريضة.
وللحديث بقية
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى