كابوس طمليه / يوسف غيشان

كابوس طمليه
“ما أن وضعت رأسي على الوسادة، وكلي ثقة انني سأغفو في الحال، حتى سمعت صوت قطرات الماء تتساقط من حنفية في المطبخ أو الحمام. نهضت وشددت الحنفيات بأقصى ما استطيع. خيّل لي أنني عالجت الأمر ، فعدت الى فراشي” انتهى الإقتباس.
هذه هي الفقرة الأولى من قصة للكاتب الساخر محمد طملية بعنوان “الكابوس” صدرت في مجموعته القصصة “المتحمسون الأوغاد” عام 1984. بطل القصة لا يستطيع النوم نتيجة صوت تساقط قطرات الماء من الحنفية ، وهو مهما يشد الحنفيات، يستمر الصوت ينقر في دماغه، ويحرمه من النوم.
بطل طمليه يعتقد في النهاية أن الخلل في (جلدة) الحنفية ، فينزل الى السوق، ويقرر ان يشتري دزينة كاملة من الجلد ، حتى لا يتعرض لمثل هذا الأرق مرة ثانية . لكنه يفاجأ بأن الناس جميعا يعانون من الأرق لذات السبب، وهم يصطفون بفوضى عارمة على ابواب الدكاكين لشراء جلد الحنفيات ، ويتشاجرون ويتزاحمون، كل منهم يريد أن يشتري جلدة ،حتى يغير جلدة الحنفية الخربانة لديه ..لعله يستطيع النوم.
لنبتعد قليلا عن فكرة القلق الوجودي للفرد، التي(قد) تتحدث عنه هذه القصة، ولنمنحها- على سبيل الفضول- ثوبا اجتماعيا ، لنقول ان الناس لم يجدوا الحل في البيت فنزلوا الى الشارع للبحث عن الحل ، فوجدوا أن الطريق مسدود، وأن الشارع يعيش في فوضى عارمة ، وأن جلد الحنفيات قد نفدت من الأسواق ، لا بل ان العديد من المحلات علّقت على بواباتها لافتة تقول: “لا يوجد لدينا جلد للحنفيات، يرجى عدم الإحراج”. وهي بالمناسبة العبارة الأخيرة التي تنتهي فيها هذا القصة العبقرية، التي لخصت القلق العام والخاص في صفحة فولسكاب واحدة.
الان وبعد ثلاثين عاما ونيف على كتابة هذه القصة ، نجد أن قلق بطل القصة، تحول الى قلق عام في العالم العربي بأكمله ، وأن الناس نزلوا الى الشارع يبحثون عن خلاصهم في الشارع .
منهم من وجد جلدة حنفية بعد صراع طويل مع الآخرين ، فعاد الى البيت ، وغيّر الجلدة القديمة، وحاول ان ينام ، لكنه اكتشف انه امتلك – من خلال هذه التجربة – وعيا اجتماعيا يمنعه من النوم بينما الأصدقاء والأقرباء والأحبه لا يجدون خلاصهم ، فاستمر في البحث عن جلد الحنفيات للآخرين ….هذا ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، بينما ما يزال الناس في الدول العربية الأخرى يبحثون عن جلدهم الخاصة.
المشكلة في عالمنا العربي ، أن الخراب ليس في الجلدة فقط، فهو خراب عام وصل الى الحنفية الرئيسية التي توزع المياه، وهي “الأستابكوك” بلغة السبّاكين والموسرجية.
نحن في طريق البحث عن أليات لتغيير الأستابكوك الذي يتحكم في عقولنا وقلوبنا وأرواحنا. علينا ان نسرع قبل ان نجد محلات السباكة تكتب على ابوابها عبارة: “لا يوجد لدينا استابكوك ، يرجى عدم الإحراج”.
ghishan@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ليس العالم العربي وحده فقط الذي يعاني من خراب الاستابكوك بل البشرية جمعاء وان اختلفت أعراض خراب هذا الاستابكوك العالمي من بلد لبلد فالتفاوت في حدة أعراض الخلل نسبية ترجع بالدرجة لتفاوت الضروف المادية بين بلدان العالم
    في عصرنا هذا عصر عولمة الاقتصاد والقيم والمباديء اصبح العالم كالقرية
    فالدولة العضمى والمالكة الفعلية لشبكة الاستابكوك العالمية قادرة خلال ساعات على إيصال اسلحتها الفتاكة والمتمثلة بقمحها صواريخها وخبرائها الى ابعد ركن من أركان العالم وإجراء الإصلاحات التي تراها مناسبة على الشبكة.
    وها نحن واطفال العراق وشعبه شهود على حملة المعتوه بوش “الإصلاحية ” في العراق كمثال تم فيه تدمير العراق ببشره وحجره بصورة من ابشع الصور التي عرفها تاريخ البشرية.

    اذا ما العمل يا صديقي؟

    اضعف الإيمان هو الاستمرار بالسعي لتغيير جلدة الحنفية !

    “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت”
    وللأستاذ غيشان احترامي

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى